صديقنا سمير الصغير ، صاحب الفكر المختلف والسعي الدائم ، خلف المعرفة الحقيقة ، كان في أحد الأيام يجلس برفقة رفاقه ، وهم يتناولون وجبة الغداء ، ويتبادلون أطراف الحديث في مكان عام ، قريب من المدرسة التي يذهبون إليها ، وعقب أن انتهوا من تناول وجبتهم ، كانت أيديهم ممتلئة بالدهن والشحوم اللزجة ، نتيجة تناولهم لبعض اللحوم ، فقاموا لغسيل أيديهم قبل العودة إلى منازلهم ، ولكنهم لم يجدوا صابونًا في الحمام ، فغسلوا أيديهم بالماء فقط ، ولاحظ سمير أن الدهون لم تذهب عن يديه تمامًا .
عاد سمير إلى المنزل ، وما أن دخل إليه حتى ذهب للاغتسال ، وبالطبع غسل يديه بالصابون ، ليكتشف أن أثر الشحوم والدهون ، قد زال تمامًا عما كان ، فبدأ يفكر فيما حدث ، وكيف للصابون تلك القوة في إزالة الدهون ، في حين لا يستطيع الماء أن يقوم بتلك المهمة .
وبدأ سمير في التفكير ، كيف لقطعة صغيرة من الصابون ، أن تفعل كل ما تفعله ، فهي تنظف الأواني والأطباق ، وتنظف البشرة من يدين وقدمين وجسد كامل ، بالإضافة إلى مساعدتها على إزالة الأوساخ ، عن الملابس والمنازل ، فنستخدمها بمنازلنا والمستشفيات ، والفنادق والمدارس ، وهنا شعر سمير بأن الصابون رغم صغر حجمه ، إلا أنه بالفعل عنصر مهم في حياتنا اليومية .
وكما نعلم بأن صديقنا سمير ، دائم التطلع والبحث عن المعلومات ، فالعلم أساس المعرفة ، لذا عندما أتت إليه شقيقته سعاد ، وسألته عن كل تلك القطع من الصابون ، التي يحتفظ بها فوق مكتبه ، أجابها سمير بأنه يتأملها ويتعجب من الفروق فيما بينها ، فتارة نجد ما هو برائحة خلابة ، وآخر بلا رائحة ، ويختلف أيضًا في الشكل واللون ، فضحكت سعاد وهي تردد دائمًا ما تفضل إعمال عقلك على النظر السطحي لكل شيء ، فأجابها سمير بأن العلم والمعرفة ، لا يأتيان سوى بالتأمل الدقيق ، والبحث عن بداية الأشياء وماهيتها ، ولذلك سوف أنتظر معلمي الأستاذ علي ، حتى يأتي وأسأله عن قصة الصابون ، وكيف اكتشفه الإنسان .
أتى الأستاذ علي في موعده المحدد تمامًا ، واستقبله سمير بابتسامة ترحيب كبيرة كعادته ، وجلسا يراجعان الدروس ، حتى انتهيا من مهامهما الأساسية ، ثم التفت إليه سمير يستأذنه في الحصول منه على بعض المعلومات ، بشأن اختراع الإنسان للصابون ، وكيف اكتشفه من الأساس .
ابتسم الأستاذ علي ، وقال لسمير أنا معجب بطريقة تفكيرك الثرية هذه ، اسمع يا سمير الصابون تم اكتشافه منذ مئات السنين المنصرمة ، واكتشفه بعض الناس في قرية صغيرة ، كانوا قد اصطادوا لتوهم غزالاً ، فذبحوه وأشعلوا النيران تحت ، حتى ينضج تمامًا فيأكلون منه ويشبعون جميعًا .
وأثناء تقليب جسد الغزال ، فوق النيران إذا ببعض الشحم يسقط أسفل منه على الأتربة ، ليختلط ببعض الأتربة.
نضج الغزال ، وبدأ الناس يتقسمونه فيما بينهم ، وعقب أن انتهوا من وجبهم تلك ، ذهب البعض منهم إلى النهر لغسل أيديهم ، مما تبقى عليها من الشحوم ، ولكن لم تزول الشحوم بالمياه ، فذهب البعض منهم وحاول فرك يديه ببعض الأتربة ، ثم غسلها بالنهر ، فزال جزء كبير من الشحوم ولكنها لم تزل كليًا ، فالتقط بعضهم بعض من الأتربة التي اختلط بها بعض الشحوم ، السائلة من الغزال أثناء وضعه فوق النيران ، ولدهشتهم زالت الشحوم وغسلوها بالمياه فلم يجدوا أية بقايا على أيديهم ، ومن هنا كانت فكرة الصابون ، وكيفية تصنيعه من بعض المواد الدهنية.
شكر سمير أستاذ على ، على تلك المعلومات القيّمة ، وابتسم الأستاذ علي له وتمنى له التوفيق ، ثم انصرف .