هند فتاة صغيرة في الحادية عشرة من عمرها فقط تؤمن دائمًا أن الاجتهاد هو السبيل الوحيد للوصول وبلوغ الأهداف ، وخاصة فيما يتعلق بالعلم فلكل مجتهد نصيب ، ولابد أن نعمل جميعًا لإرضاء الله عزوجل ، ونظرًا لأن هند تؤمن بتلك الأسس كانت تستذكر دروسها دائمًا بحرص بالغ ، ولا تمل من متابعة دروسها ولا تبدأ باللعب واللهو سوى بعد أن تنتهي ، من دروسها أولاً ، وما تفعله كان يؤمن لها تفوقًا دراسيًا ملحوظًا بين أقرانها بالمدرسة .
مما أدخل السعادة والسرور على قلب أسرتها ، التي تتكون من والدها ووالدتها وشقيقها الصغير هاني ، بالإضافة إلى حصول هند على حب وتقدير معلماتها بالمدرسة ، فقد كانت شديدة التهذيب ، وحسنة الخلق ، مما دفع الكثيرات من زميلاتها في المدرسة لمحاولة التعارف معها واللعب برفقتها بشكل دائم ، وهذا على العكس من زميلتها علياء .
كانت علياء كثيرة الشغب واللهو ، ولا تميل إلى استذكار دروسها كما تفعل هند ، وترى أن الوقت قبيل الامتحان كاف لتحصيل دراسي مؤقت ، وكان اجتهاد هند في المدرسة ، أمر مثير لغيظ علياء ، حتى أنها قد بدأت تفكر في إيقاعها بالأذى ، لغيرتها الشديدة منها ، خاصة وأنهما من أبناء نفس الحي ، وكانت والدة علياء دائمًا ما تعيّرها ، بأن هند أفضل منها دراسيًا .
وفي أحد الأيام ، خرجت هند من منزلها وبدأت تلعب وتمرح مع صديقاتها ، خلال فترة الراحة بين الدروس في المدرسة ، وفي أثناء لهوها لمحت علياء تجلس منفردة ، وقد استبد بها التفكير كثيرًا ، فانطلقت نحوها وهي تظن أن هناك أمر ما ، وجلست أمامها تسألها عما ألمّ بها ، فنظرت إليها علياء بحقد وغيظ شديد .
وأجابتها أن أمورها ليس لها شأن بها ، وطلبت منها أن تنصرف من أمامها ، فهي لا ترغب في رؤيتها ، فانصرفت هند وهي حزينة وقد بدا الحزن شديدًا على ملامحها الجميلة ، فتجمعت الفتيات أمام كل من علياء وهند ، وسألن عما ألمّ بهند ، فأجابتهن هند ، أنها قد طلبت من علياء أن تعلمها الرسم ، فهي متفوقة به ولا يضاهيها أحد في هذا المجال قط ، ولا يولد المرء عالمًا أبدًا ، وإنما يظل ساعيًا لهذا الأمر طوال حياته .
ما أن انتهت هند من كلماتها ، حتى سمعت الفتيات جرس المدرسة وهو يُقرع ، فانطلقن عائدات إلى الفصول مرة أخرى ، لاستكمال اليوم الدراسي ، عادت كل من الفتاتين إلى منزلها عقب انتهاء اليوم الدراسي ، وبدأت هند في مراجعة دروسها كما اعتادت ، بينما ظلت علياء تفكر فيما حدث اليوم ، وما قالته هند من كلمات ، بالفعل المرء لا يولد عالمًا .
ولا بد لكل شخص من الاجتهاد حتى يحصل على التقدير المستحق ، لهذا الاجتهاد وظل ضميرها يؤنبها ، أنها قد سمحت للغيرة أن تتلاعب بمشاعرها وأفكارها ، ولا تنظر لهند صديقتها منذ الطفولة ، سوى بنظرة حقد وغيرة ، أخذت من وقتها وجهدها الكثير .
اتخذت علياء قرارها بأنها سوف تذهب إلى هند ، وتتحدث معها باللين وسوف تصادقها ، وتطلب منها المساعدة أيضًا إذا ما ارتأت أنها تحتاج إليها ، فيما استعصى عليها فهمه ، وبالفعل ذهبت إلى هند في اليوم التالي ، واعتذرت لها عما بدر منها من كلمات قاسية بحقها ، وشكرتها على لفت انتباهها إلى ضرورة الاجتهاد ، بطريقة بالغة الحكمة ودون أن تؤذ مشاعرها أو تمس كرامتها .