في بلاد بعيدة وأرض جديدة كان يعيش رجلًا يسمى الشاطر مرجان ، كان شابًا محبًا للسفر والترحال عبر البحار والجبال ، ولكنه قرر بعد سنوات طويلة من الترحال العودة إلى وطنه والعيش بسلام ، فسار مسافة طويلة حتى وصل إلى مدينة كبيرة وهو في شدة التعب والإرهاق ، حيث كان الجوع والعطش يتملكانه تمامًا .
لهذا قرر شراء بعض الطعام الذي يسد به رمقه كي يقوى على المسير ، ولكن تلك المدينة لم يكن بها أي مطاعم لأن كل سكانها كانوا يعملون وينتجون ما يحتاجونه من غذاء ، ويأكلون في بيوتهم فقط حيث تقوم زوجاتهم بإعداد الطعام ، أصبح مرجان في حيرة شديدة من أمره ، أين سيأكل ويشرب ويستريح من تعب ومشقة رحلته في هذه المدينة الغريبة ؟
وأثناء جلوسه حائرًا جلس بجواره رجل من المدينة وسأله عن حالة ومن أين ؟ وماذا يريد ؟ فحكى له مرجان عن رحلته وعن حاله وأخبره أنه جائع ويريد أن يأكل ويستريح ، فنصحه الرجل أن يذهب إلى قصر الأمير فهو رجل غني ولديه من الخدم والطباخين الكثير ، كما أن مطبخه مليء بالطعام الوفير والفاكهة والأسماك والطيور وكل ما تشتهي الأنفس .
وقال له أن الأمير رجلٌ كريم لن يرده أبدًا ، فهو مشهور بعمله للخير وحبه للضيوف ، فسأله الشاطر مرجان عن مكان القصر فأخبره الرجل أن القصر يقع بأطراف المدينة ، فذهب الشاطر مرجان على الفور ناحية قصر أمير المدينة ، ودق باب القصر فرد عليه رجلٌ يلبس ثياب جميلة ، فظن أنه الأمير ولكن الرجل أخبره أنه خادم بالقصر .
فتعجب الشاطر مرجان ودخل القصر وشاهد كم أن القصر جميل وبه حوائط لامعة ، وسجاد فاخر وستائر من حرير والحوائط مرصعة بالفيروز الأزرق ، وبعدها جلس الشاطر مرجان على كرسٍ مكسو بالحرير الناعم ينتظر الأمير ، فلما علم الأمير بأمر نزول ضيفًا غريبًا في قصره جاء ليرحب به ويقابله ، وكان الأمير رجلًا حسن المنظر مليح القسمات يلبس عمامة مرصعة بالياقوت واللؤلؤ والماس تبدو غاية في دقة الصنع والجمال .
رحب الأمير بالشاطر مرجان الذي أخبره أنه غريب عن تلك المدينة ، وسار مسافات طويلة حتى وصل إليها المدينة وهو جائع ويشعر بالظمأ الشديد ، فأخبره الأمير أن هذا وقت تناوله للطعام وسيكون سعيد بأن يشاركه مرجان الأكل ، فابتسم الشاطر مرجان لأنه سيأكل مع الأمير أطيب الطعام والشراب .
وعلى الفور صفق الأمير بيديه مستدعيًا الخادم كي يحضر له إبريق الماء ليغتسل هو وضيفه ، ولكن لم يظهر الغلام فطلب الأمير من الشاطر مرجان أن ينهض معه ليغسل يديه قبل الأكل ، ولكن كان هناك أمرٌ غريب يحدث فلم يكن هناك ماء ، وعلى الرغم من ذلك كان الأمير يتظاهر بغسل بيديه ، ففعل مرجان مثل ما فعل الأمير ظنًا منه أن الأمير يمزح معه .
ولكن الأمير نادى على الخادم مرة أخرى وطلب منه الطعام ، وكالمرة الأولى لم يحضر أي خادم ولم يكن هناك أي طعام ، ولكن أيضًا تظاهر الأمير بأنه يأكل طعام غير موجود ، وأخذ يمد يده إلى صحن لا يراه ويدعو الشاطر مرجان ليأكل معه ، ففعل الشاطر مرجان مثلما فعل الأمير وتظاهر بأنه يأكل ويشرب .
وبعد انتهائهم من هذا سأل الأمير الشاطر مرجان ما رأيك بتلك الإوزة اللذيذة ، وكان الشاطر مرجان لم يرى أي طعام على المائدة لا إوزة ولا غيرها ، ولكنه أجاب قائلًا إنها فعلا لذيذة وبعدها شكر الأمير على تلك الوليمة العجيبة ونهض ليرحل .
فضحك الأمير بصوت عالي جدًا وقال للشاطر مرجان : أي وليمة تقصد ؟ لم يكن هناك وليمة ، اجلس يا رجل فقد كنت أبحث عن شخص يتمتع بهذا القدر الهائل من الصبر والحلم ، وعادة أثناء الجوع والعطش لا يكون الرجل صابرًا أو حليمًا أبدًا ، لهذا أنت من أبحث عنه.
فأنا أريدك أن تكون صديقي ووزيرا لشؤون التموين ، فتبسم الشاطر مرجان وشكر الأمير على ثقته الغالية ، وقال له مبتسمًا ولكنى ما زلت جائعًا يا مولاي ، فضحك الأمير وقدم له أشهي الطعام والشراب وأكلوا معًا في وليمة رائعة .