قديمًا كانت توجد مدينة جميلة تدعى مدينة العدالة ، وكان سبب تسميتها بهذا الاسم ، أن حاكمها ملكًا يتسم بالعدل ، ويحرص بشدة على المساواة بين أبناء شعبه كافة ، وفي أحد الأيام ذهب إليه أحد وزرائه وجلس معه ، وأخذ يتحدث معه بشأن الكيفية التي يمكنه من خلالها نشر المحبة والمساواة بين الناس .
وهنا اقترح الوزير أن يعلق الملك ، جرسًا ضخمًا بالمدينة ، يمكن أفراد الشعب من خلاله ، بسحب الجرس ودقه ، فيعرف الحاكم أن هناك أحد رعيته ، قد تعرض للظلم فيرسل للمظلوم ، من يساعده على استرداد حقوقه ، ويزيلوا عنه ما تعرض له من ظلم .
لاقت الفكرة ترحيبًا كبيرًا من الحاكم ، فاستدعى كبيرة القضاة لديه ، وكلفه بمهمة تعليق الجرس الكبير ، وطلب منه أن يكون الحبل المعلق بالجرس ، طويلاً كفاية حتى يستطيع أصغر طفل بالمدينة ، أن يصل إليه إذا ما تعرض إلى ظلم ، فوافقه القاضي الأمين وفعل ما أمره به الحاكم .
ولكن بمرور الوقت انقطع الحبل فحاولوا أن يجدوا بديلاً له ولكنهم فشلوا في ذلك ، فاقترح أحدهم أن يتم ربط الحبل المنقطع ، حتى يستطيعون أن يجلبوا آخر بديلاً له ، من أقرب مكان لهم ، فأرسلوا إلى أقرب بستان منهم ، وجلبوا فرعًا طويلاً من شجرة العنب .
وكان في هذه المدينة ، يعيش رجل بخيل للغاية ولديه حصان مسكين ، كان البخيل يضن عليه بالطعام والشراب ، حتى كاد الحصان المسكين أن يموت جوعًا ، وذات يوم أطلق الرجل البخيل سراح الحصان ، فانطلق المسكين يحاول أن يجد ما يسد رمقه ، فلم يجد سوى بعض الأعشاب القليلة التي لم تفي بالغرض ، فذهب الحصان الهزيل الجائع ، يفتش عن طعام له في أي مكان .
ظل الحصان سائرًا يبحث عن المطاعم ، وكانت الحرارة شديدة في هذا اليوم ، فالتزم الجميع بيوتهم حتى تنصرف ، تلك الموجة الحارة الشديدة ، إلا الحصان المسكين الذي هام في الطرقات حتى ضاع ، ولم يجد ما يأكله وأثناء تجواله ، لمح فرع العنب المتدلي من الجرس ، ولكنه لم يستطيع الوصول إليه بسهولة ، فكان كلما حاول أن يقطعه ويرن الجرس وينقطع طرف الحبل ، فسقط الحصان من شدة الجوع والتعب ؟
بمجرد أن انطلق صوت الجرس ، حتى أدرك سكان لمدينة أن هناك مظلومًا في مدينتهم ، فخرجوا جميعًا ينظرون من دق الجرس ، وعلى رأسهم لحاكم وكبير القضاة ، فأجابه الناس المجتمعون حول الحصان ، أن الحصان المسكين هو من دق الجرس ، فقد بخل عليه صاحبة وحرمه الطعام والشراب حتى كاد أن يموت جوعًا فغضب الحاكم بشدة ، وأمر كبير القضاة بإحضار البخيل .
ذهب الحرس إلى البخيل فوجدوه قد جلس يعد نقوده ، فأخبروه أن كبير القضاة يريده ، فتمارض وتظاهر بالإعياء وأخبرهم أنه شيخ كبير ، وطلب أن يأتوا بحصان يقله إلى كبير القضاة ، فسخر منه الحرس وأخبروه ، أنه لو كان حافظ على حصانه الذي خدمه لسنوات لكان وجد من يقوم بإيصاله دون عناء ، وسحبوا البخيل إلى ساحة المدينة ، وعندما وصل كافة سكان المدينة ينظرون له بغضب شديد وعلى رأسهم الحاكم وكبير القضاة .
والذي بادره بالسؤال عما فعله بالحصان المسكين ، فأخبره العجوز أنه قد صار شيخًا كبيرًا ، ولا يستطيع أن ينفق ماله على هذا الحصان ، فغضب القاضي ولكن البخيل اعترف بذنبه ، وطلب الحصول على حصانه مرة أخرى ، إلا أن القاضي رفض منحه الحصان مرة أخرى ، وأقر أن العدالة هنا تقتضي أن يتم سحب نصف ثروة البخيل ، والإنفاق منها على طعام وشراب هذا الحصان ، فصاح الناس في هذا الوقت ، يحيا العدل .. يحيا العدل .