يقول المولى عزوجل في كتابه الكريم ، (هل جزاء الإحسان إلا الإحسان) ، هذا هو ديننا الحنيف الطيب ، الذي يحثنا على الإحسان للجميع ، خاصة من أحسنوا إلينا وقدموا لنا المعروف ، وقدموا أيديهم لنتكئ عليها ، وساعدونا بتسخير من الله ، على تجاوز المحن والهزائم ، فهل يجدون في المقابل منا سوى الإحسان ، ورد المعروف بالمعروف ، فما بالنا بمن أساء وظلمنا ، لذلك لابد لنا أن نضع نصب أعيننا قاعدة ثابتة ، مفادها أن العفو عند المقدرة ، هو من شيم الكرماء والطيبين .
تتحدث قصتنا عن أحد الأثرياء ، كان يعيش في منزل فخم ويبدو عليه الثراء حقًا ، وذات يوم أتاه رجل غريب ، يبدو عليه الفقر فثيابه رثة ومهلهلة ، فرقّ قلب الرجل الثري وكاد أن يدير له ظهره ، ولكن سأله الفقير بأدب جم ، أن يعطيه من خير الله عليه ، فهو فقير معدم ولا يرجو سوى كرم أخلاقه وإحسانه .
كاد الرجل الثري أن يتركه بالفعل ، ولكنه ونظرً لأدب الفقير سأله من أين أتى ، فهو لا يبدو عليه الفقر على الرغم من ثيابه المتواضعة ، فأخبره الفقير أنه قد أتى ، من بلاد بعيدة تفصله عنها الآن ، مسافات طويلة وربما لم يسمع بها الثري ، وقد خرج منها فارًا من ظلمه لنفسه ، حيث عاقبه الله وندم الرجل ندمًا شديدًا ، وصار إلى ما هو فيه من حال الآن .
تابع الرجل الفقير ، أنه كان رجلاً ثريًا قبل أن يتبدل حاله ، لأسوئه فكان لا يرق قلبه ليتيم ولا جائع ولا حتى مريض ، وكان كل همه أن يجمع المال فقط ، ويكنزه أينما حل وذهب ، من أي مكان وبأية وسيلة ، فلا يعنيه الأمر حتى وإن طال أحدهم ظلم أو أذى .
استكمل الفقير حديثه وقد طأطأ رأسه خجلاً ، وقال للرجل الثري في أحد الأيام كنت قد جمعت مالاً وقفيرًا ، ووضعته بمخزني إلى جانب كافة الأشياء باهظة الثمن ، التي أملكها ولما كنت قد ظلمت نفسي أولاً ، وظلمت البعض ثانيًا أراد الله أن يعاقبني ، فاحترقت خزانتي واحترق معها مالي ، وكل ما جمعته بالظلم والذل لغيري ، فلم يبق لي سوى الرماد .
قمت ببعدها ببيع قطعة الأرض التي أملكها ، حتى أستطيع توفير سبل العيش ولكنها لم تفِ بأي شيء ، وطالبني الدائنون بأموالهم المحترقة عن آخرها ، وأنا لا أدري من أين آتيهم بهذا المال ! فظللت أسير هائمًا على وجهي ، حتى خرجت من المدينة ، وأنا أفرّ من ظلمي لنفسي وأدعُ ، الله أن يرحمني ويعف عني ويسامحني على ما بدر مني .
استمع الرجل الثري إلى حديث الفقير الذي يقف ببابه ، وأخفى دمعة كادت أن تخرج من مقلتيه أمامه ، ثم جاء بصرة ممتلئة عن آخرها بالمال ، وقال للرجل هذه أموالي خذ منها ما تشاء ، فقال له الرجل هل تستهزئ بي ، فدمعت عنيا الرجل الثري وقال له ، والله ما كنت لأستهزئ بأحد قد ظلم نفسه ، ولكن خذها واذهب وابدأ من جديد .
عقب أن انصرف الرجل الفقير ، أتى ابن الرجل الثري وسأله لم فعل هذا ، فأخبره والده أنه قبل أن يتبدل حاله لأحسنه ، ويرزقه الله من حيث لا يحتسب ، كان سوط هذا الرجل الفقير يضرب ظهره ، كل يوم نتيجة هروب بعض الجمال ، حيث كان يعمل لديه ، ولكنه هرب من شدة ظلمه له .
ودمعت عنيا الرجل وهو يحدث ابنه ، وقال أن الله عزوجل دفع بالرجل إليه دفعًا ، وأوقعه الآن بين يديه حيث كان مُصرًا من قبل ، على الانتقام ورد الإساءة أما الآن ، وبعد أن رآه فقد عفا عنه وأعطاه ولم يذكّره بنفسه ، فلعل الله أراد أن يطهره من ذنوبه .
فمضى الابن فخورًا بما فعل والده ، وأنه استطاع أن يعف عندما استطاع ، وأبى أن يرد الإساءة لمن أساء له من قبل ، بل وأحسن إليه أيضًا .