كانت في إحدى القرى ثلاث زوجات متزوجات ولم تحمل أي امرأة منهن بالرغم من مرور عدة سنوات على زواجهن ، وذات يوم سمعت الجارات صوت بائع ينادي في الشارع تفاح للحمل تفاح للحمل ، فأسرعن إليه وكان معه تفاحتان ونصف تفاحة فأعطى الأولى تفاحه والثانية تفاحة والثالثة نصف التفاحة ، فوضعت الأولى ولدًا سمته نافعًا ، ووضعت الثانية أسمته عمر ، ووضعت الثلاثة ولدًا غريب الخلقة أسمته نصف نصيص كان له يد واحدة سليمة وأخرى مشلولة وكذلك حال قدميه ولكنه كان بارع الذكاء .
كبر الأولاد الثلاثة وصاروا يذهبون إلى المدرسة معًا ويعدون منها معًا ويعدون منها معًا وكانوا متفوقين في دراستهم ، وكان نص نصيص بارعًا في القراءة والحساب ، وعندما صار الأولاد بسن الفتوة صاروا يتنزهون في خارج القرية معًا ، وكان لنافع فرس ولعمر فرس ولنص نصيص جدي أسود سريع يسابق الريح ، وخرج الفتيان من بيوتهم ذات يوم لتنزه فركب نافع وعمر فرسيهما وركب نص نصيص جديه الأسود ، وخرجوا خارج القرية وأخذوا يتنقلون من تل إلى تل ومن غابة إلى أخرى حتى غابت الشمس وهم لا يشعرون .
ولكن لم يكن من السهل أن يعود الفتيان إلى قريتهم بعد حلول الظلام وتحيروا ماذا يفعلون ولكنهم رأو في التل المقابل منزلًا فقالوا نذهب إلى ذلك المنزل فنقضي ليلتنا فيه حتى يأذن لها صاحبه ونعود إلى القرية صباح الغد ، ثم صعد الفتيان التل ولما بلغوا المنزل فطرق نافع الباب وسرعان ما فتحته إحدى العجائز ، ولما رأتهم رحبت بهم وقالت أدخلوا يا أولادي أهلا وسهلا .
فقدمت لهم العجوز العشاء وما لبث أن ناموا من شدة التعب إلا نص نصيص فقد تظاهر بالنوم ولكنه بقي مستيقظ ومرت العجوز بهم ورأتهم نائمون ، هذا السمين أكله غدا وهذا السمين أكله بعد غد أما هذا الضئيل فسوف أسمنه بضعه أيام ثم أكله ، وعادت العجوز إلى غرفتها وكان نص نصيص قد سمع كلامها ، فعرف أنها غولة متنكرة في هيئة امرأة ففكر في حيلة للهرب وانتظر نصف نصيص حتى الفجر ، فذهب إلى حيث وجود الماء فأخذ الجرة واتجه ناحية النافذة فسكبها ثم ذهب إلى الغولة وايقظها وهو يكرر خالتي أنا عطشان جدًا ، فقالت اذهب إلى الجرة وأشرب .
وذهب للجرة ثم عاد لها وقال الجرة فارغة يا خالتي ، نهضت الغولة فتناولت الجرة وخرجت وأقفلت الباب ورائها ووضعت المفتاح تحت حجر قريب من البيت وكان نصف نصيص يتبعها ببصره حتى ابتعدت وهي ماضية لملء الجرة من النبع وايقظ صاحبيه وعرفهم حقيقة العجوز الغولة ، وركب فرسيهما وركب هو جديه الأسود ، ثم فروا مسرعين ، ورجعت الغولة إلى البيت فلم تجد فيه أحدًا ، وعلمت أن نصف نصيص قد خدعها وهرب مع صاحبيه فانطلقت تعدو خلفهم ، ولكنهم وجدت الطريق ملئ بالناس الذين جاءوا من القرية بحثًا عن الفتيان ، ففشلت وعادت لمنزلها .
وبعد أيام قال نص نصيص لصاحبيه ما رأيكما أن أتيكم بفراش الغولة ، وقالوا في صوت واحد لا تخاطر بحياتك يا نص نصيص ، وعندئذ قال لن أطيل الغياب عنكما ورجل جديه الأسود وانطلق لمنزل الغولة ، ولم تكن الغولة في المنزل ، فاتجه لحجر خارج المنزل وأخرج المفتاح من تحته ثم فتح الباب وذهب لسرير الغولة أخرج علبة دبابيس من جيبه وغرز عدد كبير منها في مواضع مختلفة في الفراش ، وخرج من المنزل وأعاد المفتاح لمكانه ، ثم ابتعد عن البيت ، وجاءت الغولة قبيل الغروب تجر أقدامها وكانت قد فتشت كثيرًا عن أطفال تأكلهم ، ولكنها لم تفلح .
عادت الغولة لسريرها ولكنها لم تجد تستلقي حتي وخذتها الدبابيس فاغتاظت غيظًا شديدًا ، وتناولت الفراش وقذفته من النافذة فتناوله نص نصيص وكر عائدًا به مع جديه الأسود وعندما وصل لصاحبيه قالا أنت داهية حقًا ، وفي اليوم التالي فجأة صاحبيه بما يجي به من منزل الغولة من دجاج وآنية وعملات ذهبية ، وكانت الغولة تنصب له الكمائن ولكنه كان أذكى منها ، فتمكن من إحباط جميع محاولاتها ، وذات يوم قال لصاحبه ثم أتيكم بالغولة نفسها .
وذهب لمنزل الغولة وأخذ ينادي بصوت عالي حلوى للبيع حلوى للبيع ، وسمعت الغولة ذلك فخرجت من المنزل ومعاها قطعة ذهب ، وعندا رأته عبثت وأمسكت به بشدة وهي تقول أنت الذي سرقت دجاجتي وأشيائي ، فقالت لا يا سيدتي لعلك تقصدين أخي الشرير أما أنا ففقير أعيش من بيع الحلوى ، وهذه أول مرة أتشرف فيها برؤية وجهك الجميل .
وسُرت الغولة لقوله وأعطته قطعة الذهب وقالت أعطي حلوى بهذه فقال هذا مبلغ كبير يا سيدتي ، أدخلي داخل العربة وكلي حتى تشبعين ودخلت الغولة في العربة وأخذت تلتهم أقراص الحلوى ، وفي هذه الأثناء كان نص نصيص قد سد باب العربة ، وركب الجدي وكر راجع بالغولة إلى قريته وعندما وصل القرية ، جمع أهلها كومة كبيرة من الحطب وألقوا الغولة فيها فاحترقت وسارت رمادًا..