أربع سمكات ذهبية ، وثلاث وردية ، واثنتان حمراوان ، وواحدة زرقاء ، جميعهن يسبحن في حوض كبير ، مياهه نقية لا تشوبها شائبة ، وهواءها دائم التبديل ، فتجد فقاعات هنا وفقاعات هناك ، والقاع مفروش بالحصى ، استقرت قوقعى جميلة تفتح فاها بين الحين والآخر ، وإلى جانبها ناعورة لطيفة ، تدور وتدور بغير توقف .
سمكات تعشن في سلام :
كانت السمكات العشرة يعشن في هدوء وأمان ، فلا شيء يعكر صفوهم أو ينغص حياتهم ، كن متفهمات في كل أمر ، لا يخطفن الطعام الذي يلقى إليهم ، ولا يتزاحمن على الأماكن القريبة من الزجاج الشفاف ، ولا تتعدى إحداهن على الأخرى ، مهما يكن الخلاف في وجهات النظر ، كل شيء على ما يرام ، بل كان على ما يرام ، إلى أن جاء صاحبهن عماد!
الضيفة الجديدة :
ذات يوم ألقى عماد بسمكة جديدة في الحوض ، أتمت عددهن إلى إحدى عشر ، كانت السمكة الجديدة سوداء اللون ، كبيرة الحجم ، تفوق في حجمها حجم اثنتين معًا ، وكانت شرسة الطباع ، تهوى الايذاء والاعتداء ، لا تقنع بالقليل ، ولا ترضى إلا بأكبر حصة من كل شيء ، يلقى الطعام فتسبق الاخريات إلى التهامه ، ولا تبقي لتلك السمكات المسكينات غير النذر اليسير .
السمكة الشرسة :
ولا تكتفي بذلك فقط ، بل كانت تحول بين السمكات وبين مواضع تستأثر بها ، وتحرمهم على غيرها ، ثم لا تنفك تلطمهن بذيلها القوي ، وتدفعهن بزعانفها الكبيرة ، وتخدش أجسادهن بتلك النتوءات التي تملأ فمها المستدير ، وعلى الرغم من أن السمكات أحسن ضيافتها ، وحاولن إكرامها وإسعادها ، إلا أنها أصرت على مواقفها المزعجة ، وتعاملها السيئ ، وهي تردد على مسامعهن دائمًا ، وبكل وقاحة : ابتعدن عن طريقي ، أنا الأكبر والأقوى دعن الطعام لي أنا الأكبر والأقوى .. إياكن وغضبي فأنا الأقوى .. أنا الأقوى !!
بعد مرور الأيام :
مرت الأيام ، والسمكة السوداء تزداد وشراسة ، والسمكات الأخريات يزددن ضعفًا وخوفًا ، وكن كثيرًا ما يلجأن إلى السمكة الزرقاء ، لأنها أقدمهن عهدًا وأكثرهن حكمة ، كن يطلبن منها المساعدة والنصيحة ، فتنظر إليهن بإشفاق ، وتتمتم بكلمات قليلة لا تزيد ولا تنقص ، انتظرن يوم التبديل !!
استفهامات وترقب :
لم تدرك السمكات الصغيرات ، ما تقصده السمكة الزرقاء ، ومع ذلك لن يتوقفن عن استعطافها ، خاصة عندما تمعن تلك الكبيرة في إزاءهم ، فتكرر القول نفسه : ترقبن يوم التبديل ، وعندما أصرت السمكات الصغيرات ، على معرفة تلك الكلمات التي تتمتم بها السمكة الزرقاء ، أضافت : يومئذ يعرف كل منا حجمه ، جميعهن ينتظرن ذلك اليوم ، وهم في الوقت نفسه ، لا يعرفن ماذا سيجري.
يوم التبديل :
وجاء يوم الجمعة ، وأقبل عماد كعادته كي يبدل الماء القديم ، فتح مصرفًا في أسفل الحوض ، فتدفق الماء خارجه ، وبدأ مستواه يهبط شيئًا فشيئًا ، السمكات جميعًا باستثناء السوداء ، اعتدن هذا الأمر فهو يتكرر كل أسبوع ، وعماد يترك لهن في أسفل الحوض ما يكفي من الماء ، ريثما يمسح هو الزجاج ، وينظف الحصى ، ويدلك القوقعة والناعورة .
خوف ورعب :
ينخفض الماء أكثر وأكثر ، والسمكات الصغيرات لا يأبهن لذلك ، السمكة السوداء وحدها بدأت تشعر بالقلق ، أدركت أن أمرًا غريبًا غير طبيعي ، يجري هنا ، أمرًا لم تعتد عليه ، ولم تره من قبل ، لقد هبط الماء ، حتى وصل إلى زعنفتها الظهرية ، بل ظل ينزل وينزل حتى لامس ظهرها المقوس ، ان ضحالة الماء ، لا تليق بحجمها الكبير ، تكاد تختنق ، تجد صعوبة بالغة في التنفس ، تميل بجسمها علّها تبقى تحت سطح الماء ، تشعر بالخوف الشديد !
طلب المساعدة :
انقذنني أيتها السمكات العزيزات ، أنقذنني .. تلطم بذيلها القاع ، تضرب بزعنفتها الحصى ، ارتطامها يزداد أكثر فأكثر ، أنقذنني أنقذنني إنني أختنق ، السمكات الأخريات يسبحن بحرية ، يتنفسن بيسر ، فالماء المتبقي ملائم لأحجامهن الصغيرات ، لكنهن عندما أحسسن بما تعانيه زميلتهن الكبيرة ، نسين كل ما فعلته بهن ، وتغاضين عن إساءتها ، وأسرعن إلى فتحة المصرف ، حاولن سدها بأجسامهن الصغيرة ، لكن محاولتهن باءت بالفشل .
الأقوى :
كان الماء يتسرب بسرعة ، ويكاد يلحق الأذى بهن ، وطال الوقت ، وعماد منهمك في تنظيف الحوض ، غير آب بالسمكة التي أشرفت على الهلاك ، في اللحظات الأخيرة فطن إليها ، أسرع في سكب الماء فارتفع مستواه ، وعادت السمكة ثانية إلى حركتها الطبيعية ، وهي تلهث بعد أن أعياها التعب ، وهدّ قواها الخوف .
المعاملة الحسنة :
ومنذ ذلك الحين ، والسمكة الكبيرة تعامل السمكات الأخريات بأطيب معاملة ، فلقد تلقت درسًا لن تنساه ، درسًا علمها حقائق الحياة ، فهل عرفتن أن هذه الحقائق أيها الصغار !..