كان في سالف العصر والزمان أمير يأكل كل أنواع المأكولات ولا يترك في معدته متسعًا لم يلتف لأي شيء أخر غيره وكان هاجسه الأول والأخير ، فلم يهوى الفروسية كبقية الأمراء ولم يهوى التنقل والسفر والترحال ، وكان قليل الخروج لم يكن لديه أصدقاء أو مقربون إلا الطباخ فهو الوحيد الذي يحظى بمرافقة الأمير أينما ذهب .
الجميع كانوا يحزنون على الطباخ فالأوامر تنهال عليه ليل نهار ، فالأمير لا يشبع أبدًا وكان سمين مما جعله مدعاة للسخرية من الجميع ، فلاحظ الملك ذلك ولاحظ أيضًا عدم اهتمام الأمير بالفقراء والمساكين الذين يوفدون للقصر للحصول على الطعام مما أثار قلق الملك .
مما دعا الملك لاستشارة أفراد الحاشية لكي يجد حلًا لولي العهد ، أشار عليه أحد الأفراد أن الحل لدى الأطباء ، ثم استدعى الملك الأطباء من مختلف أنحاء البلاد ، وأجمع الأطباء أن الأمير مصاب بالشراهة ، ولم تجدي كل الأدوية التي أعطاها الأطباء له نفعًا ، وظل الملك يفكر إلى أن توصل إلى مخرج ، وقرر أن يعلن عن مكافأة مالية كبيرة لمن يستطيع أن يوقف الأمير عن نهم الأكل .
ثم أطلق أفراد الحرس الملكي نداءًا عبر الأبواق لإعلام الشعب ، ما سمع أفراد الشعب النبأ حتى توافدوا إلى القصر أفواجًا ، فجلس الملك وبجانبه الأمير البدين وأمر بإدخال الجميع .
تقدم الفران وبيده قطعه من الخبز المر وبعض المعجنات اليابسة ، صنعها من الشعير لكي لا تعجب الأمير ، فينفر من الخبز والمعجنات ، فتذوق الأمير قطعة من الخبز والتهمها وطلب من الفران أن يعلم طباخه الخاص طريقة صنعها ، بالطبع فشل الفران في مهمته وضاعت عليه المكافأة ، تقدم اللحام وكشف عن الطبق وظهرت قطعة لحم غير مطبوخة جيدًا ، حتى لا يتمكن من مضغها ، ولكن أقبل الأمير عليها بنهم وطلب من الطباخ أن يجهز مثلها يوميًا وفشل اللحام أيضًا .
ثم تقدم بائع الحليب وكان قد حرق حليبه حتى يصبح سيئ المذاق ، ولأن الأمير لم يلتفت لطعم الحليب وشربه وطلب من الطباخ تزويده يوميًا بكأس من الحليب ، وفشل الجميع وأصيب الملك بخيبة أمل ، ثم أمل بدخول الساحر لعل الحل بين يديه ، دخل الساحر القاعة وأخذ يبهر الجميع بحركاته الرائعة ، جذب الساحر الأمير وتوقف لبرهة عن تناول الطعام ، ثم قرع الأمير الجرس لينادي الطباخ لكي يزوده بالمسليات ، بالتالي فشل الساحر في مهمته أيضًا .
وبدأت علامات الإحباط تظهر على الملك ، وبعد عدة أسابيع دخل القاعة رجل عجوز ، يظهر على وجهه ملامح الحكمة ، ألقى التحية وتقدم نحو الأمير البدين وهمس في أذنه وقال أنا أعلم أنك تحب الأكل كثيرًا ، لذلك سوف استأذن الملك لاصطحابك معي لبلاد العسل والحلوى ، فدهش الأمير وقال للعجوز نعم أنا أوافق ، فرد العجوز إنها بلاد بعيدة تقع خلف الجبال وسمعت أنك لا تحب التنقل والترحال .
ثم سأل الأمير وهل يوجد عجوز لتلك البلاد ، فقال العجوز ألم تسمع عن تلك البلاد وتقرأ عنها في الكتب هي بلاد أنهارها من العصر وأشجارها من الشكولاته ، شعر الأمير برغبة عارمة في التعرف على أمير تلك البلاد وهذه البلاد كلها .
تعجب الملك من الحديث الهامس الذي دار بين الأمير والرجل العجوز ، وأمر بإحضار العجوز فقال له العجوز أيها الملك أنا هنا لكي أحل مشكلة الأمير ، وأعدك أن اجعله كما تريد فارسًا حاميًا للديار.
واتفق الملك والعجوز على اصطحاب الأمير للجبال بضعة أشهر وبدأت الرحلة لاصطحاب الأمير لبلاد العسل والحلوى ، ولم يصطحبا معهم إلا خبز وجبن فقط ، فسأل الأمير عن سبب حملها فقال لكي تملأها بجرار من العسل والحلوى ، ونزلًا إلى قلب المدينة ، وكانت المرة الأولى التي يمشي فيها الأمير على قدميه دون مرافقة أو حرس .
انبهر الأمير بأصوات الباعة وأعداد الناس الهائلة ، ثم ذهبوا لأقرب محل واشترى العجوز للأمير ملابس بسيطة تليق بالرحلة ، وخرج من المدينة صعودًا نحو الجبال ، وبدأ الأمير يتعثر في خطواته ويرجوا العجوز أن يتوقفوا قليلًا ويركبوا إحدى العربات ، وتجاهل العجوز الأمير وقال له ألا ترى أن المنطقة وعرة ولا يمكن لأي عربة أن تدخل فيها .
فقال له العجوز لنركب فرس ، فقال له إنه لا يعرف خجل الأمير وانتبه لأول مرة لأهمية الفروسية التي طالما احتال والده أن يتعلمها ، ثم قال له العجوز أسرع علينا أن نمضي قبل الظلام حتى لا نقابل قطاع الطرق والذئاب ، وحل الظلام وامسك العجوز بيده واستمرا في المسير إلى أن وصلا لكوخ صغير مضاء في أعلى الجبل ، ثم قال العجوز سننام في الكوخ وفي الصباح نكمل المسيرة .
فقال الأمير وهل يسمحوا لنا بالمبيت فيه ، فضحك العجوز وقال إنه بيتي يا صغيري ، فدخلت الطمأنينة لقلب الأمير ، على غير عادة الأمير عندما تناول بعض الخبز على عجل وعندما وجد حصيرة استلقى عليها وراح في نوم عميق .
وفي صباح اليوم التالي استيقظ الأمير وخرج من الكوخ فوجد صديقة العجوز يحلب الماعز ، فقال له صباح الخير كيف حالك فقال له العجوز كيف نمت أيها الأمير فلم يجب ، كان مبهور بروعة المكان ، قد ادهشته المناظر الجميلة ، ولمح القصر على الناحية المقابلة وتعجب كيف لا يرى المكان وهو بالقصر لم يجبه العجوز كان يريده أن يكتشف بنفسه كل شيء ، دله على مكان الاستحمام .
وجد الأمير مكان خيالي برميل من الخشب تحيط به الشلالات والينابيع ، ويزين المكان أشجار السرو العالية ، كان الأمير في غاية الابتهاج وبدأ يغني وهو داخل البرميل فالتفت إليه الحيوانات لكي تستمتع بصوته العذب ، وانتهى من الاستحمام وجهز له العجوز ملابس جديدة تعود للعجوز في شبابه ولكنها كانت ضيقة عليه ، فانقطعت عليه تدارك العجوز الموقف وقال له كانت ضيقة علي وأنا في مثل عمرك .
قال له العجوز سوف أعلمك كيف تحيك البنطال وكان أول درس يتعلمه الأمير بالجبال ، ثم انتقلا إلى مائدة الطعام المصنوعة من جذع شجرة واعد العجوز الخبز والحليب والخضروات الشهية ، قال له العجوز علينا مهمات كبيرة لابد من انجازها ، كانت أول مرة يسير الخراف والماعز ويمشي تحت الشمس دون قيد ، مرت أيام وهو يتعلم ويزرع ويقلع ويربي الماشية ويروي الورود والمزروعات ويساعد الرجل العجوز
وبدأ يفقد شراهته وصار يكتفي بوجبات محددة ونسي بلاد العسل والحلوى التي خرج يقصدها ، واستمر على هذا الحال لشهرين ولاحظ الرجل العجوز التحسن الذي طرأ على صحة الأمير ، وبدأ جسمه يصبح مرنًا صار يقفز ويركض ويسبح في النهر .
ثم قال العجوز للأمير أن يصبحه في مهمة وأخذ معه سلة الطعام وبدأ يملأ السلة بثمار التفاح ، ثم أخذه لمنازل الفقراء وقال له خلف تلك البيوت أفواه تطلب الطعام وتنتظرني من الحين والأخر .
شكر الأمير العجوز أنه علمه معنى كلمة الجوع أنه عرفه من هم الأيتام والأرامل ، واستمر العجوز والأمير شهور وتحول الأمير لفتى مفتول العضلات بنيته قوية ، وأصبح له العديد من الاصدقاء علموه كيف يصطاد الطيور ، وانتهت المهلة التي منحاها الملك للعجوز .
وجاء مرسال الملك يطلب من العجوز إرسال الأمير للقصر ، فتح الأمير الباب ولم يتعرف علي الأمير في البداية ثم قال له لقد تغير كثيرًا يا سيدي فقال له الأمير من الذي جاء بك ، ثم قاطعه العجوز وقال له أهلا بمرسال الملك هل انتهت الفترة بتلك السرعة ، فقال الأمير أي فترة .
ثم اقترب العجوز من الأمير وقال له هل لك أن تقبل اعتذاري أيها الأمير ، فقال الأمير عما من فقال العجوز لقد وعدتك أن أخذك لبلاد العسل والحلوى ، فقال الأمير لقد نسيتها ثم وعد الأمير العجوز ، وذهب للقصر قد استقبله الملك بكثير من الشوق ، وأقيمت الاحتفالات على شرف الأمير ومرت أيام وأسابيع وبدأ يتعلم الفروسية وفنون القتال وفي كل صباح كان يراقب كوخ الرجل العجوز من شرفة غرفته ويتذكر أيامه معه.
بعد سنوات أصبحًا ملكًا على البلاد ولم ينسى الرجل العجوز الذي علمه ، وبعد أن توفى الرجل العجوز شيد الملك مركز كبير لمساعدة الفقراء بالقرب من كوخ الرجل العجوز وفاءًا وتقريرًا له .