جاء موسم الفيضان ، امتلأت الأنهار بالمياه المندفعة في اتجاه البحيرة ، وأعلنت السلطات حالة طوارئ ، ومع هدير المياه المندفع بغزارة من مصبات الأنهار في حوض البحيرة ، تعالت صرخات الآلاف من البشر ، كانوا يفرون بينما المياه تعلو وتوشك على اغراق بيتوهم ، التي بنوها على ضفاف البحيرة ، يحملون معهم كل ما يستطيعون حمله ، ويهربون بحياتهم وحياة أطفالهم وحياة حيواناتهم من مصير الغرق .
ذكريات أليمه :
لم يتأخروا هذه المرة في تلبية طلب السلطات ، استوعبوا درس كارثة فيضان البحيرة منذ ثلاث سنوات ، عند غرق آلاف البشر الذين تشبثوا بأماكنهم وهم يرددون : كيف نترك أرضنا ، كيف نترك أرضنا ؟ وردت عليهم البحيرة بقسوة كأنها تقول لهم : ليست هذه أرضكم ، بل سريري !
الغرباء :
نعم هذه الأرض هي سرير البحيرة ، أما الناس الذين بنوا بيوتهم على حوافها في غياب الفيضان فهم دخلاء ، انتهزوا فرصة انحصار الماء عن ضفة البحيرة ، وبنوا بيوتهم على الأرض التي انكشفت وقالوا : هذه أرضنا .
أملاك البحيرة :
لا هذه ملك البحيرة ، فالطبيعة مثل البشر لها أيضاً ممتلكات ، والذي يعتدي عليها لابد أن يتوقع غضب الطبيعة عليها ، وقسوتها وهي تسترد ممتلكاتها منه ، خاصة عندما تكون هذه الممتلكات سريراً عظيماً ، تعبت البحيرة في تغطيته بفراش وثير طوال عشرات بل مئات السنين ، وهذا أصل الحكاية ..
سرير البحيرة :
مع كل فيضان تأتي الأنهار مندفعة بأطنان وأطنان ، من الرواسب الدقيقة المعلقة في المياه ، ومع استقرار المياه ، تأخذ هذه الرواسب في الهبوط إلى القاع ، وتغطيه بطبقة ناعمة ، تشبه حلقات النمو في جذوع الأشجار ، إذا أخذنا منها مقطعاً ، وتشبه الأغطية التي نفرش بها الأسرة ، لهذا يسمي العلماء حوض البحيرة المغطى بطبقات الرواسب ، سرير البحيرة .
أعمال البناء داخل السرير :
ويتسع هذا السرير لأقصى درجة ، عندما تمتلئ البحيرة بالماء في مواسم الفيضان ، لكن مع انقطاع الفيضان وهبوط الماء ، تنكشف مساحات واسعة من هذا السرير ، ويهرول إليها البشر ، الذين لا يفهمون حقوق الطبيعة ولا يقدرونها ، يبنون على سرير البحيرة البيوت والمصانع ويرصفون الطرقات ، وكأن البحيرة نسيت سريرها إلى الأبد .
البحيرة والدفاع عن حقوقها :
لكن لا ، الطبيعة لا تنسى ، وسرير البحيرة هو سريرها ، وتخيل أنت لو تركت سريرك ليلة ، وعدت إليه لتتمدد عليه وتستريح ، فوجدت غرباءً يحتلونه ، ستغضب وتطردهم ، وتستخدم العنف إن لم يذهبوا بسلام ، وهذا ما فعلته البحيرة ، وستفعله كلما عادت إلى سريرها ، ووجدت غرباء يحتلونه ، فلا يلوم البشر إلا أنفسهم .