يحكي أن في قديم الزمان كان هناك أميرًا عادلًا في بلد من بلاد المسلمين ، سمع في يومًا من الأيام أن قاضي البلد الجديد يتحدث عنه الجميع وعن عدله وفطنته وأن لا أحد يستطيع أن يخدعه ، فأراد الأمير أن يعرف سر حكمته ويتأكد مما وصل إليه من أنباء .
تخفى الأمير في زي تاجر وأخذ حصانه وأتجه نحو المدينة ، وفي طريقه وجد رجلًا عاجزًا أوقفه طالبًا صدقة ، فأعطاه الأمير المتنكر وأراد الذهاب إلا أن الرجل العاجز أستوقفه وشده من ردائه ، فسأله الأمير المتنكر ماذا بك ؟ لقد أعطيتك المال الذي طلبته ، قال له الرجل العاجز أردت منك أن تصنع لي معروفًا وتحملني إلى ساحة المدينة على حصانك .
وافق الأمير المتنكر على اصطحاب الرجل العاجز ورفعه على حصانه وذهب به إلى ساحة المدينة ولكن الرجل العاجز رفض أن ينزل من على الحصان ، غضب الأمير المتنكر لهذا الفعل وسأله لماذا لا تنزل لقد أوصلتك إلى ما طلبت ، فقال له الرجل العاجز : ولما أنزل من فوق هذا الحصان الملكي .
أشتد الخلاف بينهما وزاد غضب الأمير المتنكر وألتف حولهم الناس وأقترحوا عليهم أن يذهبا إلى قاضي المدينة كي يفصل بينهم .
وبالفعل ذهب الأمير المتنكر والرجل العاجز والناس من حولهم إلى القاضي ، وفي تلك الوقت كان الحاجب ينادي على القضايا بالترتيب فنادى على أول قضية ، كانت بين نجار وبائع للسمن ، وبدأ النجار بالحديث فقال : كنت أشتري السمن من هذا البائع وعندما حاولت أن أسحب المال من محفظتي انتزعها مني بائع السمن وحاول أن يأخذ ما بها من نقود ، وأتينا إلى هنا وهو واضع يده على يدي ويريد اختطاف محفظتي .
ثم جاء دور بائع السمن فقال : ما يقوله هذا الرجل غير صحيح فهو كاذب ، المحفظة هذه تخصني أنا ، عندما أشترى مني هذا الرجل سمنًا أعطاني قطعة نقود ذهبية وأراد أن يأخذ المتبقي له من المال فأعطيته الباقي ووضعت المحفظة على الطاولة وحاول أن يسرقها ولكني أمسكت به قبل أن يهرب وجئت به إلى هنا لكي تفصل بيننا ، فقال لهم القاضي بعد لحظات صمت طويلة وتفكير : أتركوا المحفظة هنا وتعالوا غدًا .
وجاء دور الأمير المتنكر والرجل العاجز فبدأ الأمير المتنكر بزي تاجر بالتحدث قائلًا ما حدث وأشار القاضي إلى الرجل العاجز كي يأتيي بحجته فقال له العاجز : إن كل ما قاله هذا الرجل غير صحيح ، والحقيقة أنني كنت أمتطي جوادي هذا ورأيته في طريقي جالسًا على الأرض وطلب مني أن أذهب به إلى منتصف المدينة وسمحت له بالركوب وأوصلته ولكنه رفض أن ينزل وأدعى أنه يمتلك حصاني ولذلك جئت به إلى هنا ، ففكر القاضي قليلًا وقال أذهبوا الأن وأتركوا الحصان وعودوا في الصباح .
وفي الصباح حضر المتخاصمون إلى المحكمة ، وتقدم النجار وبائع السمن ليسمعوا من القاضي حكمه ، فقال القاضي للنجار خذ المحفظة فهي ملكك ، أما بائع السمن فاجلدوه خمسين جلده .
وجاء دور الأمير المتنكر والرجل العاجز ، فقال القاضي للأمير المتنكر هل تستطيع أن تتعرف على حصانك من بين 20 حصان ؟ فقال له الأمير المتنكر أنه يستطيع بالطبع فعل هذا ، وقال الرجل العاجز أنه هو أيضًا يستطيع التعرف عليه .
فأخذهما القاضي إلى الإسطبل وتعرف الاثنان على الحصان من بين 20 حصانًا غيره ، فقال القاضي للأمير المتنكر ، خذ حصانك فهو ملكك أما هذا الرجل فسيجلد خمسين جلده .
بعدما أنهى القاضي عمله ، ذهب إليه الأمير المتنكر وأراد أن يسأله عن سر معرفته للحقيقة في القضيتين فقال له القاضي : بالنسبة لقضية النجار وبائع السمن ، فقدت أخذت النقود ووضعتها في الماء ، وانتظرت حتى أرى إن كان سيطفوا على سطح الماء شوائب زيتيه فستكون من أثر أيدي بائع السمن وتكون المحفظة ملكه ولكن لم يحدث ذلك فتأكدت أنها ملكًا للنجار .
أما قضيتك أنت والرجل العاجز فكانت أصعب ، وعندما اصطحبتكما إلى الإسطبل لم يكن ذلك حتى تتعرفوا أنتم على الحصان ولكن لكي أرى رده فعل الحصان عندما يراكم وبالفعل مد الحصان رأسه ناحيتك حتى تضع يديك عليه في حنان ، وعندما اقترب منه الرجل العاجز رفع أذنيه وأبعد رأسه مستنكرًا فعلمت أنه ملكك .
شكره الأمير المتنكر على حنكته وحسن صنيعه ، وقال له أنه ليس تاجر بل أنه أمير البلاد وقد تخفى في هذا الزي حتى يرى حكمته في البحث بالقضايا وأراد الأمير أن يكافئه ولكن القاضي رفض وقال أن هذا واجبه .