كان هناك طحان يعيش مع أبنائه الثلاثة ، ولما مات ترك لهم ميراثًا عبارة عن طاحونة وحمار وقط ، ولما قسموا هذا الميراث اختار الأخ الكبر الطاحونة ، واختار الأوسط الحمار ، ولم يتبق للأصغر سوى القط ، فقال :
إن أخي قد أحسنا الاختيار ، فبالطاحونة والحمار يمكنهما أن يكسبا مالًا ينفقان منه على معيشتهما ! لكن ماذا سأفعل أنا بالقط ؟ سمعه القط فقال : لا تحزن يا سيدي فقط أعطني غزارة وحذاء طويلاً ، وسترى أنك حصلت على ما هو أفضل من الطاحونة والحمار .
تعجب ابن الطحان ، وهو يسمع القط يتكلم ، ثم قال لنفسه : إذا كان هناك قط يتكلم ، فربما يكون ماهراً وذكياً بالقدر الذي يجعله يفعل أشياء مدهشة ؛ لذا خرج واشترى حذاءً طويلاً من الجلد وقدمه للقط ، وسأله : والآن أيها القط ذو الحذاء الطويل ، ماذا ستفعل ؟
قال القط : وأين الغزارة ؟ بحث ابن الطحان في خزانة قديمة ، فوجد غزارة على أحد الأرفف ، فمد يده والتقطها ، وأعطى القط الغزارة ثم قال له : أرني إذن ماذا ستفعل الآن بهذه الغزارة والحذاء الطويل ؟
فقال القط : انتظر ، وسوف ترى ثم لبس القط الحذاء الطويل ، وحمل الغزارة على ظهره ، وذهب إلى الغابة ، وفي الغابة اصطاد القط أرنبًا صغيرًا ، ووضعه في الغزارة ثم ذهب إلى قصر الملك ، وطلب أن يقابله ، ولما أذن له دخل إلى قاعة القصر حيث كان الملك جالسًا على العرش ، فوقف أمامه ، وقال في أدب : مولاي جلالة الملك ، لقد أحضرت لك هدية من سيدي أمير مدينة كاراباس ، وكان لفظ كاراباس هو اللقب الذي اخترعه القط قاصدًا به ابن الطحان.
فرح الملك بهدية أمير كاراباس المزعوم ، ولما رأى القط ولع الملك بالهدايا ، أخذ يأتي له من وقت لأخر بهدايا أخرى ؛ مدعيًا أنها من عند سيده ، وفي يوم سمع القط أن الملك وابنته الجميلة ذاهبان في نزهة عبر النهر ، فأسرع راكضًا إلى بيت سيده ابن الطحان ، وقال له : افعل مثلما أقول لك ، وسوف تصبح غنيًا جدًا ، اذهب للنهر ، وأسبح فيه.
اندهش ابن الطحان من كلام القط ، وسأله : لماذا أسبح في النهر ؟ أجابه القط بحزم لكن بأدب : أرجوك افعل ما أطلبه منه إذا كنت تريد أن تصير غنيًا ، وبالفعل ذهب ابن الطحان إلى النهر ، وخلع ملابسه ووضعها على الشط ثم قفز في الماء ، وأخذ يسبح مثلما طلب القط منه.
وبينما كان ابن الطحان يسبح غافله القط ، وتسلل إلى حيث وضع ملابسه ، فأخذها وأخفاها ، وعندما وصل موكب الملك إلى النهر ، صرخ القط قائلًا : النجدة النجدة سيدي أمير مدينة كاراباس يغرق ، فلما سمع الملك صراخ القط ، أمر حراسه بأن ينقذوا الشاب ، وبناءً على أمر الملك ؛ انطلق ثلاثة من الحراس قافزين في النهر ؛ ليخرجوا الأمير من الماء.
قال القط للملك : شكرا لك يا مولاي ، لكن ماذا سيفعل سيدي ، وقد سرقت ملابسه ؟ ، فأمر الملك الحراس أن يأتوا بملابس أنيقة تليق بالأمير حتى يصحبه معه في الموكب.
بدا الشاب وسيما جدًا في ثيابه الجديدة ، ولما نظرت له الأميرة الجميلة ، وقعت في حبه ، وفي هذا الوقت كان القط قد أسرع إلى حقل سيمر عليه موكب الملك في طريقه ، وكان في الحقل بعض الرجال يعملون ، وراع حوله قطيع من الأغنام ، فصرخ القط قائلًا : الملك قادم عندما يأتي قولوا له ، إن هذا الحقل ملك لأمير مدينة كاراباس ، وإلا فسيصيبكم الأذى جميعًا.
بدا القط جادًا فيما يقول ، ففعل الرجال مثلما قال لهم ، ولأن القط كان يعرف أن مالك هذا الحقل في الحقيقة هو وحش يعيش في قلعة قريبة ، فذهب إليه ونادى عليه قائلًا : سيدي لقد سبق أن سألتك إن كنت قادرًا على أن تحول نفسك إلى فيل أو أسد لكنك لم تجبني عن سؤالي !
فأجاب الوحش متفاخرًا : بالتأكيد ؛ أنا قادر على ذلك ، وفي لحظة واحدة حول الوحش نفسه إلى أسد مرعب ، كان القط خائفًا لدرجة أنه قفز فوق سطح خزانة عالية ؛ ليختبئ فوقها ، ولما عاد الأسد إلى هيئة وحش مرة أخرى ، نزل القط من على الخزانة ، وقال : حسنًا جدًا لكني قد سمعت أنك قادر على أن تحول نفسك إلى شيء صغير جدًا ، وأنا واثق بأنه أمرٌ محالٌ.
رد الوحش غاضبًا : أتقول إنه محال ؟ إنها لإهانة كبيرة ! لا شيء محال علي ! وفي لمح البصر ؛ تحول الوحش إلى فأر صغير ضعيف يجري على الأرض ، وبسرعة ومهارة شديدة ، وثب القط الذكي ، وانقض على الفأر والتهمه ، وكانت هذه نهاية الوحش المرعبة .
وبعد قليل ، اقترب موكب الملك وابنته ومعهما ابن الطحان ، وعندما رأوا القلعة ، أرادوا أن يتعرفوا على صاحبها ، فاتجه الموكب إلى مدخلها ، كان القط ذو الحذاء الطويل ينتظرهم هناك ؛ حيث قال لهم ؛ وهو يغمز بعينه إلى ابن الطحان : أهلا بكم في قلعة سيدي أمير مدينة كاراباس.
كان الملك سعيدًا ، إذ عرف أن صديقه الجديد الأمير الشاب يعيش في هذه القلعة التي تبدو ضخمة ومذهلة ، وكان سعيدًا بتلبية دعوة الفتى والقط على الإفطار الذي أعده طبعًا القط ، وبعد الإفطار طلب الشاب من الملك أن يزوجه ابنته الأميرة.
وافق الملك ، وتزوجا في حفل مهيب جميل ، وعاشا معًا في سعادة إلى الأبد ، أما القط ذو الحذاء الطويل ، فقد عاش في الحقول الواسعة الخصبة التي صارت أرض سيده ابن الطحان.