تكثر نوادر جحا في تراثنا الشعبي القديم ، فمن منا لا يعرف هذا الرجل خفيف الظل الذي اشتهر بحكمته وذكاءه ، فكان يتعاطى مع المواقف بالنوادر ، والدرر ، ولا يعجزه أمر في الوجود ، فله مع البخلاء نوادر ، ومع الكرماء نوادر ، ومع الناس الذين لا يعجبهم حال الآخرين ، ويتدخلون في شئون الغير أيضًا نودار كثيرة.
فقصص جحا من القصص الأخلاقية خفيفة الظل التي حاولت أن تلقي الضوء على الخصال السيئة ، وتوضح الخصال الحميدة بصورة لطيفة تنفر القراء من كل ما هو سيء ، وتجعلهم يقلعون عنه وينجذبون لكل ما هو حسن وجميل ، وفي هذه القصة كان موقف جحا مع قاضي البلدة التي يعيش فيها ، فقد أراد أن يعلمه جحا درسًا لا ينساه.
فقد كان قاضي البلدة يظهر الوقار والهيبة أمام الناس في مجلس القضاء نهارًا ، بينما كان يشرب الخمر ليلًا ويترنح في البساتين والطرق وقد عرف جحا بأمره فقرر أن يلقنه درسًا لا ينساه ، وفي إحدى الليالي لمح جحا القاضي وقد سكر من شرب الخمر ، ثم دخل بستانًا وخلع جبته وعمامته ونام في البستان ، فدخل جحا بخفة وأخذ ملابس القاضي وتركه نائمًا في مكانه ولما أفاق القاضي ، رجع إلى داره وكلف الشرطة بالبحث عن رجٍل سرق ملابسه.
وفي دار القضاء جلس جحا مرتديًا جبة القاضي وعمامته ، فلما رأى القاضي ذلك استدعاه ، وقال له أمام الناس : من أين أتيت بهذه الجبة وتلك العمامة يا جحا ؟! فقال جحا : ذهبت مع بعض أصدقائي إلى المزارع فوجدت رجلاً سكران ملقًى على الأرض من كثرة ما شرب من الخمر ، فأخذت جبته وعمامته ، ويمكن أن أثبت لك ذلك بشهود أمام الناس.
فتلعثم القاضي وقال : يا جحا ، لا نريد معرفة ذلك السفيه ، فالبس الجبة كما تشاء واستر على الرجل ، فلعله قد تاب وندم ، فابتسم جحا ، ولم ينطق بشيء ، فقد علم أن القاضي فهم ما يعنيه ، وتعلم الدرس جيدًا ، فالرجل الصالح لا يظهر عكيس ما يبطن.
من نوادر حجا .