بمزرعة الجد كان هناك كلب شقي وعنيد ، لا يحب الأوامر ولا يسمع الكلام ، كان يأكل ويلعب وينام وقتما شاء ، بلا نظام ولا مواعيد ؛ فهو لا يحب أن يقول له صاحبه افعل كذا أو لا تفعل كذا .
وعندما يلعب الكلب كان يثير ضجة كبيرة ، ويغير أوضاع الأشياء ، فهو لا يمل اللعب ، فإذا ما غاب صاحبه ، كان يشد الستائر ، ليجعل منها شمسية ، ويتخيل أنه يمشي ويجري تحت المطر ، ويقلب الكرسي ؛ ليجعله عربه ، ويريد أن يسابق بها الريح .
ويشد الملاءة ويجعل منها خيمة وكأنه في رحلة صيد ، وينزل الصورة من فوق الحائط ، ويجعلها جهاز تليفزيون يشرع في مشاهدته ، ويملأ دلوا بالماء ليعوم فيه فتغرق الأرض ، ولا يبقى شيء على حاله ، وينقلب بيت صاحبه إلى فوضى ، وعندما يراه صاحبه يقول له : لا تفعل ذلك ، فيغضب الكلب الصغير ويلم ذيله بين قدميه ، ويجلس محتجًا تحت السرير .
ويقول لنفسه : لقد سئمت قول افعل كذا ولا تفعل كذا ، لا تدس أنفك في الطعام ، لا تشد الستائر ، لا . لا ، لا تفعل طوال الوقت ، يجب أن أبحث عن صاحب أخر لا يقول أبدًا : افعل ولا تفعل.
وحدث الكلب الصغير صاحبه فيما يفكر فيه ، فقال له صاحبه : لن تجد أبدًا هذا الصاحب ، سيقول لك الجميع : افعل ولا تفعل ، فقال الكلب الصغير : إذن دعني أجرب ، بعد إذنك سآخذ طبقي وحقيبتي ، وأبحث عن الصاحب الذي أريده ، وإن شاء الله سأجده ؛ ليطعمني ويداعبني دون أن يقول لي : افعل ولا تفعل .
وسار الكلب الصغير ومعه طبقه وحقيبته ، وعند أول بيت طرق الباب ، وسأل صاحبه : هل تقولون في بيتكم افعل ولا تفعل ؟ ، فنظر صاحب البيت في دهشة إلى الكلب ، وقال طبعًا نقول افعل ولا تفعل ، وسار الكلب وقتًا طويلًا ، وكان كلما رأى بيتا طرق بابه ، وسأل صاحبه نفس السؤال ، وسمع نفس الرد فتضايق الكلب .
وقال لنفسه : ما هذا ؟ أيجب أن يقول الكبار افعل ولا تفعل حتى يكونوا كبارًا ؟ ، ولكني لن أيأس ، فلابد أنني سأجد صاحبًا يطعمني ويداعبني دون أن يقول لي افعل ولا تفعل ، ثم طرق الكلب الصغير بابًا أخر ، ففتحت له سيدة عجوز تعيش بمفردها ، فسألها هل تقولين في بيتك افعل ولا تفعل ؟
فقالت : لا لم أقل أبدًا في حياتي افعل ولا تفعل ، فرح الكلب الصغير ، وقال : أخيرًا وجدت ما أريد ، واستأذن السيدة العجوز أن يعيش معها ، فأذنت له ، وأخذ الكلب يمارس كل أنواع اللعب التي تعود عليها ، وكان يشد الستائر ، ويقلب الكراسي ، وينزل الصورة من فوق الحائط ، والعجوز لا تقل له شيئًا .
وفي اليوم التالي قال الكلب : لقد لعبت كل اللعب التي تعودت عليه ، لابد أن أبحث عن لعب جديدة ، وفكر أن يلعب بطبقه لعبة الأطباق الطائرة ، فأخذ يطير طبقه في الهواء حتى وقع وانكسر ، ولم تقل له العجوز شيئًا أيضًا ، فأخذ الكلب يفكر في لعبة ثانية ، وقرر أن يلعب لعبة القطار .
فأخذ حقيبته وأخذ يجرى في الشارع مثل القطار ، ورأته السيدة العجوز وهو يخرج ، فلم تهتم ، ولكن للأسف أضاع الحقيبة وعاد من دونها إلى البيت ولكنه لم يحزن ، فلم يكن فيها سوى فوطته الصغيرة .
وفي البيت قرر الكلب أن يلعب لعبة حمام السباحة ، فملأ الدلو بالماء وأخذ يقفز فيه ، فوقع على أنفه ، وأخذ يبكي وينادي على العجوز : آه أنفي ، أنفي إلحقيني بفوطة أتجفف بها ، فأنا مبتل ، فقالت له : وأين فوطتك ، فقال لها : كانت في الحقيبة ولكنى أضعتها ، فقالت العجوز : كل ما لدي فوطة واحدة وهي خاصة بي ، وبالطبع لن أجففك بها.
فقال الكلب : إذن أطعميني ، فأنا جائع ، قالت له العجوز : أين طبقك ، فرد عليها الكلب وهو يرتجف من البلل : لقد كسرته حينما كنت ألعب ، وهنا قالت له العجوز : كل ما عندي طبق واحد ، وهو خاص بي ، ولا يمكن أن أطعمك فيه .
فقال لها الكلب غاضبًا : كيف تكونين صاحبتي ، ولا تطعميني ولا تجففيني ، أنتي لا تحبينني ، فقالت له العجوز : لأنك أضعت حقيبتك وكسرت الطبق ، فقال لها الكلب : ولماذا لم توجهيني ، وتقولي لي افعل ولا تفعل ، لقد أخطأت حين تركت بيت صاحبي ، وعرفت قيمة حبه الآن ، وهنا قرر الكلب أن يرحل ويترك بيت العجوز.
وحينما عاد إلى صاحبه فرح به كثيرًا ، وأخذه يلاعبه ويطعمه ، واعتذر له الكلب ، وقال له : لقد عرفت لما كنت تقول لي : افعل ولا تفعل .