كانت هناك جدة طيبة تعيش مع حفيدها الوحيد واسمه سالم في قرية خضراء جميلة وكانت تلك الجدة تحب حفيدها حبًا جمًا وترعاه ، وذات صباح قدمت الجدة إلى حفيدها كوبا من الحليب وقطعتين من الجبن ورغيفًا كبيرًا خبزته لتوها على التنور .
نظر سالم إلى الرغيف فوجده ممطوطا قلب شفتيه وقال : ما هذا يا جدتي ؟ الأرغفة التي تصنعينها عادة دائرية ، أما هذا فشكله بشع ، ثم دفعه باشمئزاز ، انحنت الجدة على الرغيف وأمسكت به وقالت : بشع ؟! بعد تعبي أسمع منك هذه الكلمة ؟ .
كنت أتوقع منك على الأقل كلمة جزاك الله خيرًا ، لقد أفقت قبل بزوغ الشمس وأوقدت التنور ، وعجنت ، ورققت العجين ثم خبزت وبعد كل هذا التعب تقلب شفتيك مستاءًا ، وترمي بالنعمة على الارض ؟ .
سالم : أفً وماذا حصل ؟ ، هل خربت الدنيا ؟ ، الجدة : نعم خربت ؛ لأنك لا تعلم أن الرغيف الذي رميته كلفني جهدًا وتعبًا ، رد سالم : جهد تعب !! أنا أستطيع على الرغم من صغري صنع رغيف أفضل من رغيفك بكثير ، أخبرته الجدة بغضبها منه وأنها لن ترضى عنه حتى يصنع الخبز بنفسه .
نهض سالم مصممًا ، وتوجه إلى التنور المطلى بهباب الفحم ، ووقف امامه ، وقال : يا تنور يا حزين يا خباز العجين أعطني رغيفًا مدورًا ، لكي أريه لجدتي فترضى عني ، فتح التنور فمه الكبير ضاحكًا وقال بصوت لا يخلو من الصدى : وكيف أعطيك الرغيف وأنا بحاجة إلى الحطب : قال : ومن أين آتي لك بالحطب ؟
قال التنور : بسيطة الحطب موجود بالجبل ، صعد سالم الجبل ، ووقف على رأسه ، صائحًا : يا جبل يا كبير يا مخبأ العصافير اعطني حزمة حطب ، قهقه الجبل ، فتدحرج بعض الحصى ، قال : كيف أعطيك الحطب وأنا بحاجة إلى فأس ، سالم : فأس؟ ، الجبل : الفأس عند الحداد.
هبط سالم الجبل ، وتوجه إلى الحداد ، رأى رجلًا قوي البنيه ، مفتول الزند ، يضع الفحم في بيت النار ، ثم ينفخه بالكير ، سالم : يا حداد يا خبير يا نافخ الكير ، أعطني فأسا ، وقف الحداد ومسح عرقه بكفه ، وقال : أمعك نقود ؟ ، أدخل سالم كفيه فى جيبه ، وأخرجهما فارغتين وقال : أنا لا أملك نقودًا .
الحداد : إذا كيف سأعطيك الفأس ؟ دمعت عينا سالم واستدار راجعا فناداه الحداد : أنت تعال ياعين عمك ، احكي لي ما هي قصتك ، ولماذا تريد الفأس؟ ، مسح سالم دموعه بطرف كمه ، ونشق قائلًا : جدتي غضبت مني ، ولن تكلمني إلا إذا صنعت لها رغيفًا مدورًا ، ذهبت إلى التنور .
فطلب حطبا والحطب في الجبل ، والجبل بحاجه إلى فأس والفأس موجودة عندك ، ابتسم الحداد ، واقترب من سالم مربتًا علي كتفيه ، قائلًا : مادمت تريد إرضاء جدتك ، فأنا سأعطيك الفأس لكن بشرط ، سالم : ما هو ؟ الحداد : أن تساعدني بصنعه ، سالم : موافق .
شمر سالم عن ساعديه وأمسك مطرقة ، وراح يطرق الحديد المحمي ، فصار وجهه أحمر كالجمر ، وعندما انتهيا من صنع الفأس حملها سالم شاكرًا ، ثم ركض إلى الجبل ، احتطب ثم وضع حزمة الحطب والفأس على ظهره ، ومشى صوب التنور .
أوقد سالم التنور ، وعجن العجين ، ورقَه ، وعبثا حاول صنع رغيف فمرة يصنعه ممطوطًا ، ومرة مثقوبًا ، وأحيانا كثير يحرقه ، وقف سالم مستسلمًا ، مسح عرقه وتذكر دفعه للرغيف ثم قال : ما أغباني حسبت الأمر سهلً ، ما العمل ؟ كيف سأرضي جدتي ؟ ، شعر بيد تمسح على شعره التفت رأى جدته مبتسمة تقول : أظنك قد تعلمت درسًا مفيدًا ، لقد رضيت عنك ، تعال ساعدني لأخبز لك رغيفا مدورًا يشبه القمر .
تعلمنا في هذه القصة :
أن المسلم لا يسخر من الطعام أبدًا ولكن عليه إذا وضع الطعام أمامه أن يأكله إن كان يشتهيه وأن يرفضه بأدب إن كان لا يشتهيه ولكن المسلم لا يعيب طعما أبدًا ، علينا أن نشكر من صنع لنا طعامًا حتى لو كان الطعام رديئًا فإن الرسول صل الله عليه وسلم علمنا ان نقول لكل من قدم لنا شيئًا : جزاك الله خيرًا .