قصة السجانقصة السجان

قصة السجان ولعه الشديد بحمل المفاتيح ، وبإغلاق الأبواب كان السبب في أن يخسر عمله الرشيد ،

الذي سعى إليه طويلًا،  وبذل من أجل الوصول إليه النفيس والرخيص .

 

نبذة عن المؤلف :


من روائع القصص الكازاخي ، للكاتب الشهير المعاصر ناصر فاضلوف ، ولد عام 1929م في منطقة تركستان بجمهورية كازاخستان ،

نشرت أول أعماله عام 1953م وتبعتها كتب وقصص كثيرة ومن أشهر مؤلفاته : النهر الأبيض ،

سرطان ، قصص الربيع وغيرها ، ترجمت أعماله من الأدب الكازاخي إلى اللغة الأوزبيكية .

 

يعصره غيظ عظيم وتهاجمه تباريح الحسد والحقد ، كلما تذكر أن ذلك الرجل المائع ذا الآراء الديمقراطية ،

وحامل لواء الشورى يجلس الآن مكانه ، ويغور في وافر جلد كرسيه المنجد الماجد ،

بعد أن ترك الحبل على الغارب ، وفتح الأبواب الموصدة وألقى بمفاتيحه الحبيبة في مكان مظلم ،

مجهول لتصدأ وتتآكل ناسيةً منسيةً .

قصة السجان

إرادة الشعب :
قيل له إن قوى الديمقراطية ، وإرادة الشعب المثقف الواعي ،

هي من أجبرت دولته على إقصائه عن وظيفته الحبيبة ،

بحجة أنه يقمع الحريات ويعامل الناس بمنطقة الأنعام السائمة الضالة ،

التي لا تجيد الاهتداء إلى طريق ، وعليه أن يقفل الباب عليها كي تكن في مكان بعينه ،

وقيل له كذلك إن الجميع بات ينعي عليه عشقه لبابه الأصم ، ومفاتيحه الخرساء وما عاد لدولته طاقة بمواجهة غضب الشعب .

لذا كان عليه أن يفتح الأبواب ، ويخفى المفاتيح ولو إلى حين ، لكنه على الرغم من ذلك يكاد يجزم بأن دولته ،

قد أقصاه عن عمله خوفًا من سلطانه الناشئ الوليد الذي بات يظله بغمامة سوداء ،

وقضية غضب الشعب المثقف الواعي ، ما هي إلا حجة منتقاة وافقت هوى دولته .

 

ضوء الشمس :


وهو متأكد كذلك من أن قلق دولته من نفسه المظلمة ، من مكائده القاتمة هو ما منعه من عزله ،

وجعله يكتفي بانتدابه لعمل آخر في جهازه الأمني السابق ، كان عملًا أصغر من طموحاته ودون مقامه ،

وإن كان شبهه من عمله الأول هو عزاؤه الوحيد فيه ، فقد عين سجانًا على ذلك المعارض العتيد لكل نظام حازم خير ،

إذ سرعان ما يدعوه بالمستبد ، ويثور الناس عليه ،

ومآل معارضته الدائمة كان هذا السجن المعتم المنقور في جوف الصخر، والمأسور للظلام دون ضوء الشمس .

 

زنزانة المشاغب :


أسعده للغاية أن يربض على صدر ذلك المشاغب اللئيم ، وأن يشهد عمره يصطلي بنار القيد وكي يمعن في تعذيبه ،

والتضييق عليه فقد التزم بعدم الكلام معه لأي سبب كان ،

كذلك عكف نفسه على اتخاذ مكان ثابت ، يراقبه منه حتى في لحظة تغوطه ،

كي يمنعه من أي سعادة بخلوة أو خصوصية ، ثم قلص إجازاته حتى علقها وأطال ساعات دوامه في المكان ،

حتى غدًا عمله إقامة دائمة في مكان كي يكون العين الشريرة الرقيبة ، عليه ومنع أي زيارة أو مقابلة صحفية أو كتاب ،

أو صحيفة أو خبر طائر من هنا وهناك أن يحط في زنزانة المشاغب .

وفرح إذ رأى المشاغب يذوي حزنًا وقهرًا ، وبات يصعب عليه أن يجزم إن كان المشاغب ميتًا ، أم يعاني من أزمة نفسية حادة ،

تمنعه من الأكل أو الشرب أو التبرز أو الحركة أو حتى الكلام .

 

السجان :

قصة السجان
وما بالى بذلك إذ أسعده أن يحكم قبضته على عنق المشاغب ، وأن يمارس وافر متعته المتمثلة في إقفال الأبواب ،

وحمل المفاتيح وخنق خلق الله خلف أبواب روحه المؤصدة ، التي منعته من أن يفهم معنى تلك النظرة الحانية التي يراها في عيني المشاغب ،

منذ أكثر من عشرين سنة قطعاها معزولين في هذا السجن ، الذي نسيه النسيان .

وما كان له أن يعرف أن المشاغب يرثي لحال سجانه المسجون معه دون أن يدري ،

إذ كان الفارق بينهما أن أحدهما مسجون في داخل الزنزانة ، والآخر خارج الزنزانة ،

والفاصل بينهما مفتاح حديدي صدأ ، يبات منذ عشرين سنة ، في كف السجان الذي وهن عظمه وما وهن لؤمه.

إقرأ المزيد من القصص على موقعنا

تابعونا على الفايسبوك

By Lars