قصة الصمت رعب من روائع القصص الأمريكية ، للكاتب إدجار آلن بو ،
وتدور أحداث القصة على ضفاف نهر زائير في إحدى الليالي المظلمة الصامتة ،
حيث يخرج الشيطان ويسيطر على تفكير الكاتب فيبدع قصة تأخذنا لعالم الخيال والرعب .
نبذة عن المؤلف :إدجار آلن بو
إدجار آلن بو .. ولد إدغار بو ، في ( 19 يناير 1809م – 7 أكتوبر 1849م ) وهو ناقد أدبي أمريكي مؤلف ، وشاعر ومحرر،
ويعتبر جزءاً من الحركة الرومانسية الأمريكية ، اشتهرت حكاياته بالأسرار وأنها مروعة ،
كان بو واحداً من أقدم الممارسين الأمريكيين لفن القصة القصيرة ، ويعتبر عموما مخترع نوع خيال التحرى ،
وله الفضل في المساهمة في هذا النوع من الخيال العلمي الناشئ ،
كان أول كاتب أمريكي معروف يحاول كسب لقمة العيش من خلال الكتابة وحدها ، مما أدى إلى حياة صعبة ماليًا ومهنيًا .
قال الشيطان وهو يضع يده فوق رأسي : أصغ إليّ ، البقعة التي أتحدث عنها بقعة كئيبة في ليبيا ،
على ضفاف نهر زائير ، وهناك لا راحة ولا صمت .
وتحن كل زهرة إلى أختها :
لمياه النهر لون الزعفران ، وهي مياه وخيمة لا تجري صوب البحر ،
لكنها تخفق أبديًا تحت الشمس الحمراء
، في حركة تشنجية صاخبة ،
وفي كل ناحية حول هذا النهر ذي المجري الموحل ،
تمتد صحراء شاحبة من أزهار النيلوفر الضخم ،
كل زهرة تحن إلى أختها في هذه الوحدة ،
وكلها تمد صوب السماء أعناقها الطويلة ، كالأشباح!..
وتهز رؤوسها الأبدية ، ويتصاعد منها هدير مبهم أشبه بهدير سيل تحت الأرض ،
وتحن كل زهرة إلى أختها .
قصة الصمت
ولا صمت :
لكن هناك حدود لمملكتها ، وهذه الحدود غابة عالية ، دكناء ، مرعبة ،
حيث الأشجار الصغيرة في حركة دائمة كالأمواج حول جزر هربيد ، ومع ذلك ، لا ريح في السماء ،
وتتأرجح الأشجار البدائية الكبيرة ، من ناحية إلى أخرى في دوي قوي ،
ومن رؤوسها العالية يتساقط ندى لا ينتهي قطرة قطرة ، وحول جذوعها تلتف أزهار غريبة سامة في سبات مضطرب ،
وتتهاوى الغيوم الرمادية على رؤوسها بحفيف رنان متجهة دائمًا نحو الغرب ،
إلى أن ترتمي كشلال خلف سور الأفق الملتهب ، ومع ذلك لا ريح في السماء ولا هدوء على ضفاف نهر زائير ولا صمت !.
تمطر دمًا :
كان ذلك في الليل، وكانت تمطر ، كان ما يتساقط مطرًا ، لكن حين يصل إلى الأرض ، يصير دمًا ،
وكنت في المستنقع أجلس بين أزهار النيلوفر الكبيرة ، والمطر يسقط فوق رأسي ،
وكل زهرة نيوفلر تحن إلى أختها في جلال وحدتها الحزينة .
حروف الحزن :
وفجأة نهض القمر من وراء النسيج الناعم ، لضباب حزين ، وكان بلون القرمز ، ووقعت عيناي على صخرة كبيرة ،
رمادية قرب ضفة نهر كان يضيئها القمر ، كانت صخرة رمادية ، مشؤومة ، عالية وكانت رمادية ،
نقشت عليها حروف ما ، وتقدمت نحو مستنقع النيلوفر ، إلى أن أصبحت قرب الضفة ،
كي أقرأ الحروف المحفورة ، لكنني لم أستطع أن فك رموزها ، وكنت عائدا إلى المستنقع حينما شع القمر بحمرة أكثر شدة ،
فالتفت وتطلعت من جديد إلى الصخرة والحروف ، وكانت هذه الحروف : الح..ز..ن .
الغريب الجالس فوق الصخرة :
نظرت إلى أعلى فوجدت رجلاً على قمة الصخرة ، اختبأت بين النيلوفر كي أراقب حركاته ،
كان ذا هيئة كبيرة مهيبة ، يلتف من كتفيه حتى قدميه بحلة روما القديمة ،
وكانت حدود شخصه غير واضحة ، إلا أن قسمات وجهه إلهية تتلألأ رغم عباءة الليل ، والضباب والندى والقمر .
وكانت جبهته عالية وغارقة في التأمل ، وعينه فريسة الهواجس ، قرأت في تقاطيع خديه أساطير ،
الكآبة والتعب والسأم من الإنسانية ، وتوقًا كبيرًا إلى الوحدة ، جلس الرجل على الصخرة وأسند رأسه إلى يده ،
وأخذ يطوف بعينيه فيما حوله ، رأى الشجيرات الصغيرة التي لا يهدأ قلقها والأشجار الكبيرة البدائية ،
وفي الأعلى رأي السماء المليئة بالحفيف ، والقمر القرمزي ،
وكنت مختبئ بين النيلوفر أراقب حركاته ، كان الرجل يرتجف في الوحدة ، والليل يتقدم ، ومع هذا بقى جالسًا فوق الصخرة .
حركات الرجل واختباء :
وحول الرجل عينه عن السماء ، واتجه بهما إلى النهر زائير الحزين ، وإلى المياه الصفراء العابسة ،
وإلى النيلوفر الشاحب ، وكان يصغي إلى تنهدات النيلوفر وهمسه ،
وكنت في مخبأي ، أترصد حركاته وهو يرتجف في الوحدة ، ومع هذا بقى جالسًا فوق الصخرة .
حينذاك أوغلت في أطراف المستنقع البعيدة ، ومشيت فوق غابة النيلوفر اللين ،
وناديت أفراس الماء التي تسكن أعماق المستنقع ، وسمعت الأفراس ندائي وجاءت البهيموثات إلى الصخرة ، وزمجرت ،
بصوت عال ومرعب تحت القمر ، كنت مازال مختبأ أراقب حركات الرجل ،
وكان يرتجف في الوحدة ، والليل يتقدم ، ومع هذا بقى جالسًا فوق الصخرة .
الصمت :
حينذاك لعنت عناصر بلية الضوضاء ، فتراكمت في الجو عاصفة مخيفة ، ولم تعد هناك أي نسمة في أي مكان ،
وأصبحت السماء زرقاء سوداء من عنف العاصفة ، من المطر الذي يضرب رأس الرجل وفاضت أمواج النهر ، وأزبد النهر العذب ،
حينذاك لعنت صمت النهر ، والنيلوفر والريح ، والغابة والسماء ، والرعد وتنهدات النيلوفر ، وتلاشى الرعد ،
وتولت الغيوم جامدة ، وتوقفت الأشجار عن التمايل ، فنظرت إلى حروف الصخرة ، وكانت قد تغيرت ، فأصبحت تشكل كلمة : صمت .
الهروب :
وسقطت عيناي على وجه الرجل ، وكان شاحبا من الرعب ، وسرعان ما رفع رأسه ويده ونهض على الصخرة ، واصغى ،
لكن لم يكن هناك صوت في هذه الصحراء الواسعة التي لا تحد ، وكانت الحروف منقوشة على الصخرة : الصمت ، وارتعد الرجل ، وتلفت وهرب بعيدا بعيدًا .
كتب الملوك :قصة الصمت
إذا هناك عدد كبير من الحكايات الجميلة في كتب الملوك ، ففي كتب الملوك الحزينة المجلدة بالحديد ،
أقول هناك حكايات رائعة عن السماء والأرض والبحر القوي ، والجن الذين ملكوا الأرض والبحر والسماء العالية ،
وكثير من الحكمة التي لفظتها العرافات ، وأشياء مقدسة ، لكنني كما أعتبر أن الله حي ،
أعتبر هذه الأسطورة التي قصّها عليّ الشيطان حين جلس بقربي في ظلام المقابر ، هي أكثر الأساطير عجبًا !
وحين أنهى الشيطان أسطورته ، لعنني لأنني لم أقدر على الضحك ، وخرج الوشق من القبر الذي يسكن فيه إلى الأبد
، ونام عند قدمي الشيطان وهو يحدق في عينيه .
إقرأ المزيد من القصص على موقعنا