قصة العالم ينظر إلى العالم على إثر سلسلة من المغامرات الفكرية التي لا تستحق الذكر ،
قرر السيد بالومار أن النظر إلى الأشياء من الخارج سيكون نشاطه الرئيسي ،
ولكونه قصير النظر ، شارد الذهن وانطوائياً فإنه يبدو وكأنه ينتمي بمزاجه إلى ذلك النموذج البشري الذي يعرف عادة بالمراقب .
قصة العالم ينظر إلى العالم
نبذة عن المؤلف :
يعتبر ايتالو كالفينو من أبرز الشخصيات المهمة والفريدة للأدب الايطالي المعاصر ،
فهو روائي وناقد صحفي لعب دوراً مهما في الحياة الفكرية الإيطاليه ، ولد ايتالو كالفينو في 15 أكتوبر 1923م ،
في سانتاغيو لاس فيغاس بجزيرة كوبا ، لأب أستاذاً في الزراعة ، وأم أستاذة في علم النباتات ،
وفي عام 1949م خرجت مجموعته القصصية الأولى بعنوان وأخيراً يأتي الغراب .
قصة العالم ينظر إلى العالم
وفي عام 1952م صدرت ثلاثيته المعروفة باسم ، أجدادنا ،
والتي صورت قوة موهبته وقدرته على تصوير الأساطير والتحليق في الوصف الخيالي ، وتواصلت كتاباته ومؤلفاته ،
حتى توفي في 16 سبتمبر 1985م ، وكانت آخر كتاباته التي لم يتم اكمالها ، ولكن قامت زوجته بجمع فصولها ، تحت الشمس المرقطة .
قصة العالم ينظر إلى العالم
المراقب :
ومع ذلك فقد حدث دائماً أن بدت له بعض الأشياء ، كجدار من الحجارة ، قوقعة المحار ،
ورقة شجر أو ابريق الشاي وقدمت نفسها له وكأنها تطلب منه انتباهاً دقيقاً ومطولاً ،
وينهمك بمراقبتها تقريباً دون أن يأخذها بحسبانه ، وتبدأ نظرته بتتبع كافة التفاصيل ولا يفلح بعدها بالانفصال عنها ،
وقرر السيد بالومار من الآن فصاعداً متابعة انتباهه .
التركيز الدقيق :
أولاً بألا يترك هذه الدعوات التي تصله من الأشياء تفوته ، وثانياً بأن يعطي لعملية المراقبة الأهمية التي تستحقها ،
عند هذه النقطة حدثت فجأة أول لحظة من الأزمات ،
حاول السيد بالومار وهو متأكد من أن العالم سيكشف له من الآن فصاعداً عن غنى لا محدود من الأشياء التي ينظر إليها ،
وتوقف ثم تابع مرحلة ثانية كان مقتنعاً فيها بأن الأشياء التي يجب النظر إليها هي بعض الأشياء وليست الأخرى التي عليه أن يبحث عنها .
نافذة على العالم :
ومن أجل هذا فقد توجب عليه أن يواجه في كل مرة مشاكل في الاختيار ، الاستبعاد ، تسلسل الأفضلية ،
وسرعان ما انتبه إلى أنه يتذوق كل شيء مثلما كان يضع في الوسط ، أناه ، وكل المشاكل التي تحكم علاقته ، بأناه ،
ولكن كيف له أن ينظر لشيء ما تاركاً أناه على الطرف ؟ ولمن هاتان العينان اللتان تنظران ؟
يعتقد عادة أن تكون الأنا أحداً ما يطل بوجهه من عينيه كما يطل من حافة النافذة وينظر إلى العالم الممتد بكامل سعته أمامه ،
فإذا كان هناك نافذة تطل على العالم ، ومن الطرف الآخر هناك العالم ، ومن هنا من العالم دائماً .
العالم ينظر إلى العالم :
ما الشيء الآخر الذي تريدون أن يكون ؟ بقليل من جهد في التركيز أفلح بالومار بتغيير مكان العالم هناك في الأمام
ووضعه مطلاً على حافة النافذة ، إذاً ماذا بقي خارج النافذة ؟ العالم أيضاً مازال هناك ،
وقد انقسم إلى عالم ينظر وعالم ينظر إليه ، وهو المعروف أيضاً ، الأنا ، أي بالسيد بالومار .
أليس هو أيضا جزء من العالم الذي ينظر إلى جزء آخر من العالم ؟ أو ربما ،
بالنظر لأن هناك عالماً من هنا وعالماً من هناك خارج النافذة ، فإنه لابد وأن الأنا ،
ليست شيئاً سوى النافذة التي ينظر اليها العالم للعالم من خلالها ،
ولكي ينظر إلى نفسه فإن العالم بحاجة لعيني السيد بالومار ونظارتيه .
نظرية وتجربة بالومار :
إذا سينظر السيد بالومار من الآن فصاعداً إلى الأشياء من الخارج وليس من الداخل ، لكن هذا غير كاف ،
سينظر إليها نظرة نابعة من الخارج لا من داخله ، ويحاول القيام بالتجربة على الفور ،
الآن ليس هو من ينظر ولكن العالم من الخارج هو الذي ينظر للخارج .
ما ان ثَبت ذلك حتى جال ببصره حوله بانتظار تغير الهيئة العامة ، لكن لا إنه اللون الرمادي المعتاد يوميا الذي يحيط به ،
ويجب عليه إعادة دراسة كل شيء من البداية ،
لا يكفي أن يكون ما هو في الخارج من ينظر إلى الخارج ، إذ أنه من الشيء المنظور إليه حيث يجب أن ينطلق المسار البصري الذي يربطه بالشيء الذي ينظر .
فمن مدى الأشياء الصامت يجب أن تنطلق إشارة ما ،
نداء ، غمزة عين ، شيء ينفصل عن الأشياء الأخرى بنية أن يعني شيئاً ما .. ما هو؟…نفسه ،
شيء مسرور بأنه منظور من الأشياء الأخرى فقط ،
عندما يكون مقتنعاً بأنه يعني نفسه ولاشيء آخر وسط الأشياء التي تعني نفسها ، ولا شيء آخر .
النهاية :
إن المناسبات من هذا النوع لا تتكرر بالتأكيد ، ولكنها مع ذلك لابد وأن تظهر آجلاً أو عاجلاً ،
إذ يكفي أن تنتظر أن تتحقق إحدى تلك المصادفات السعيدة التي يود من خلالها العالم أن ينظر هو أو أن ينظر إليه في اللحظة ذاتها ،
ويتواجد السيد بالومار ليمر من هناك وسطها ،
أو ربما لن يتوجب على السيد بالومار ولا حتى الانتظار لأن هذه الأشياء تحدث فقط عندما تنتظرها بشكل أقل .
إقرأ المزيد من القصص على موقعنا