قصة انتقام أمقصة انتقام أم

قصة انتقام أم من روائع الأدب الفرنسي ، للكاتب هنري رينيه ألبيرغي دي موباسون، ولد موباسان ،

بقصر ميرونمسنل بنورمانديا بفرنسا ، في عام  1850م وتوفي عام 1893م ، درس موباسان القانون ،

والتحق بالجيش الفرنسي ، ثم عمل ككاتب في البحرية الفرنسية ، كان من أشهر الكتاب الفرنسيين ،

ذو الأسلوب المتميز في كتابة القصص القصيرة والروايات ذات الطابع الواقعي ،

وكان يكتب باللغة الفرنسية فقط ، ومن أشهر أعماله بيل أمي  و كرة الشحم .

قصة انتقام أم

بداية القصة :
كانت الأرملة باولو سافيريني ، تسكن مع ابنها بيتاً فقيراً على سورمدينة بونيفاشيو ،

المبنية على امتداد مرتفع يطل على البحر ،

وتبدو في بعض مناطقها وكأنها معلقة فوق مضيق كثير من التضاريس يفصل بينها وبين جزيرة سردينيا .

أما السفح من الناحية الأخرى فتحيط به كتل صخرية ملساء ، وعند أسفلها ميناء صغير ،

تغدو فيه وتروح زوارق الصيد الإيطالية والسردينية ، ويأتي مركب بخاري عتيق كل خمسة عشر عاماً ، ليؤمن خدمة أجاكسيو .

هناك على التل الأبيض بنيت مجموعة بيوت أشد بياضاً ، يوحي مظهرها بأعشاش الطيور البرية ،

تتدلى فوق الصخور ، حيث تهيمن من هناك على تلك المنطقة التي لا يجرؤ أي زورق على الاقتراب منها ،

الرياح ترهق الشاطئ الأجرد دون كلل ، وتعرية من كل أخضر ، ثم تمر عبر المضيق مكتسحة كلا جانبيه ،

رافعة الأمواج المتلاحقة فوق نتؤات كأنها الأسمال البالية تطفو على صفحة المياه .

بيت الأرملة :


بيت الأرملة سافيريني ، الملتحم بطرف الجرف يطل بنوافذه الثلاثة على الأفق المتوحش الكئيب ،

هناك عاشت مع ابنها انطوان وكلبتها سميلانتي ، الضخمة النحيلة ذات الوبر الطويل الخشن ،

وهي من سلالة كلاب حراسة القطعان ، وكان انطوان يستخدمها في الصيد .

جريمة قتل :
مساء أحد الأيام قتل انطوان سافيريني ، غدراً بمدية إثر مشاحنة مع نيقولا رافولاتي ،

الذي غادر المدينة في الليلة ذاتها إلى سردينيا ليتوارى عن الأنظار .

الصبر والوداع  والوعد:


عندما استقبلت الأم العجوز جثة ولدها وقد حملها بعض المارة ، لم تبك بل بقيت ساهمة بلا حراك فترة طويلة ،

وعيناها مشدودتان إلى ابنها ، ثم مدت يدها المجعدة على جثته وأقسمت أن تثأر .

لم ترد أن يواسيها أحد، فسجنت نفسها مع الجثة وكلبتها التى راحت تنبح دون توقف قرب سرير معلمها رافعة رأسها نحوه ،

لم تبد حراكاً وصارت كأم انطوان ، والتي حين رأت أن الجميع قد غادروا ، أخذت تذرف الدمع بصمت وقد أكبت على جثة ابنها تشبع منه ناظريها .

كان الشاب ملقى على ظهره كالنائم ، وسترته السميكة مثقوبة عند الصدر ، والدم يغطي كل جسمه ،

فوق قميصه المفتوح بسبب العلاجات الأولى ، وعلى وسرواله ووجهه ويديه ،

وبعض قطرات الدم تجمدت على شعره ولحيته راحت الأم الثكلى تناجيه وإذا بالكلبة تكف عن النباح ،

قائلة له : إيه يا صغيري سأثأر لك يا ولداه ، يا ابني المسكين ، نم نم ، سأنتقم ..أتسمع ؟ إنه وعد الأم ، والأم توفي بوعودها ، وأنت بذلك أدرى .

وبهدوء انحنت فوقه لاصقة شفتيها الباردتين على شفتيه وقد فارقتهما الحياة ،

عادت الكلبة للنباح كانت تصدر أنات رتيبة هي أشبه بالنواح الذي يمزق نياط القلب ، بقيت الأم على حالها حتى الصباح ،

وبعد ذلك ووري انطوان سافيريني التراب ، وبعدها بقليل لم يعد أحد يذكر اسمه في بونيفاشيو.

الثأر :


رحل أنطوان دون أن يكون له أخ يثأر له ، وما عرف له قريب أو ابن عم ليقوم بهذه المهمة ، كان وحيداً ،

لذلك بقيت أمه العجوز وحدها تفكر في الانتقام ،

هناك على الشاطئ الآخر للمضيق كانت بقعة بيضاء تشد إليها نظر الأم فتحدق بها دون انقطاع ،

لم تكن تلك البقعة سوى قرية سردينية يلجأ إليها قطاع الطرق الكورسيكيون الملاحقون ،

فهم كثر يقبعون فيها في انتظار العودة إلى مواطنهم ثم الاختفاء ، علمت الأم أن نيقولا رافولاتي ، قاتل ابنها قد لجأ إلى تلك القرية .

تفكير في الثأر :
وكانت الأم خلال أيام ترنو بنظرها إلى البعيد وقد شحن ذهنها بهاجس الثأر ،

ولكن ما العمل وما من أحد يمد لها يد المساعدة ؟ هي عاجزة ، وعلى حافة قبرها ،

غير أنها وعدت وأقسمت على الجثة ولم تستطع أن تنسى وأن تنتظر ، ماذا ستفعل ، فارقها النوم وما كانت لترتاح وتهدأ .

ظلت تبحث بعناد والكلبة إلى جانبها تغط وتبعث أحياناً بنباح نحو البعيد ،

فمنذ أن اختفى سيدها كانت تطلق نواحاً على هذا النحو وكأنها تناديه ،

وكأن روحها الحيوانية ترفض العزاء ، وتحتفظ بذكرى لم تستطيع نسيانها .

الحل :


ذات ليلة ، ما إن شرعت الكلبة بأنينها الرتيب حتى برقت في ذهن المرأة فكرة ،

فكرة شرسة بربرية ، أشبعتها تمحيصاً حتى الصباح ، وما إن لاح أول بأرق فيه حتى ذهبت إلى الكنيسة ،

هناك جثت محطمة خاشعة على الرخام أمام الله تطلب إليه العون ليمسك بيدها ، ويعطي جسدها الضعيف المتهدم القوة اللازمة لتثأر لابنها .

تدريب الكلبة وتشريسها  :


ثم عادت ، وكان لديها برميل قديم في دارها قلبته على عقبه وثبتته على الأرض بأوتاد وحجارة ثم ربطت الكلبة به ودخلت منزلها ،

صارت تغدو وتؤوب أمام نافذتها وعينها على تلك القرية النائية على شاطيء سردينيا إنه هناك ، قاتل ابنها ،

تركت الأرملة كلبتها تنبح طوال اليوم كله وقد عضها الجوع بنابه ، وفي صباح اليوم التالي قدمت لها الأرملة ماءً فقط .

وفي اليوم التالي وإذا بالكلبة تنام مرهقة وقد أشرفت على الهلاك ،

وفي اليوم الثالث كان صبر الكلبة قد عيل ، فأخذت تنبح بصوت أجش ، وانقضى الليل ،

تركتها الأرملة حتى صباح اليوم الرابع ، حين ذهبت إلى جيرانها تطلب قشاً عادت به إلى البيت .

وهناك أخذت أسمال زوجها البالية وحشيتها بالقش ، حتى أخذت شكل انسان بشري ،

ثم نصبت في ساحة البيت عصاً شدت إليها ذلك الجسم ، حتى بدا واقفاً ، وسوت الرأس بخرق قديمة كانت عندها .

دهشت الكلبة وأخذت تحدق بذلك التمثال وسكتت عن النباح بالرغم من جوعها ،

ثم ذهبت الأرملة إلى السوق واشترت قطعة نقانق سوداء طويلة ،

وقفلت عائدة إلى بيتها حيث أضرمت ناراً قرب الكلبة ، وشوت عليها قطعة النقانق فما أن شمت الكلبة رائحة الشواء حتى جن جنونها ،

وأخذت ترغي وتزبد وتقفز لاهثة نابحة ، حتى كادت تقطع سلاسلها .

شراسة الكلبة :

قصة انتقام أم
نضج اللحم فأخذته الأرملة ووضعته مشدوداً على عنق التمثال ، وأحكمت ربطه ،

وما إن انتهت حتى أفلتت الكلبة التي قفزت قفزة هائلة وانقضت ناشبة أنيابها في رقبة التمثال وأشبعته تمزيقاً ،

ونهشاً وطفقت تلتقط قطع اللحم المتناثرة ثم عادت لتنشب أنيابها مرة بعد مرة ، في عنق التمثال فلم تتركه حتى صار نتفاً وأصبح رأسه أثراً بعد عين .

نجاح التجربة :

قصة انتقام أم
وقفت الأرملة تنظر بارتياح إلى نتيجة تجربتها ، ثم عادت وشدت وثاق الكلبة إلى البرميل ، لتكرر فيما بعد ذلك التمرين الغريب .

بعد مرور شهور:
وبعد مرور ثلاثة شهور من التدريب ، اعتادت الكلبة أن تكسب قوتها من تلك الوجبة الشهية بقوة أنيابها ،

لكن الأرملة لم تعد تربطها كالسابق إذ صارت تنطلق نحو التمثال بإيماءة من يد سيدتها التي علمتها أن تمزقه

وتفترسه حتى لو لم يكن عليه أي طعام ، فكانت تكافأ بقطعة النقانق المشوية التي أعدت لها ،

ما ان كانت الكلبة تبصر الرجل حتى تروح ترتجف ثم تلتفت إلى معلمتها ، التي تصرخ فيها هيا ، بصوت صافر وبإصبع مرفوع .

الخطة :


عندما رأت الأرملة أن الوقت قد حان ، ذهبت إلى الكنيسة صباح الأحد ، واعترفت وتناولت القربان ،

ثم تنكرت بزي رجل عجوز مسكين واتفقت مع صياد لينقلها مع كلبتها إلى الشاطئ الآخر للمضيق ،

حملت في جعبتها قطعة نقانق مشوية ، والكلبة لم تذق طعاماً منذ يومين ، بين الحين والآخر كانت تدني الجعبة من أنف الكلبة لتشم رائحة الشواء فتهيجها .

الانتقام :

قصة انتقام أم
وصلت هي وكلبتها إلى قرية لونغوساردو ، فرأت كورسيكا بتعاريجها فاستفسرت من أحد الخبازين عن منزل ،

نيقولا رافولاتي ، الذي عاد يعمل نجاراً كما في سابق عهده ، وكان وحده في منجرته .

دفعت الأرملة الباب فوجدت غريمها في ركن يعمل ، نادته : نيقولا ،

التفت نحوها فأفلتت الكلبة صائحة : هيا هيا انقضي ..افترسي ..افترسي ،

جن جنون الكلبة فانطلقت وانقضت على الرجل ناشبة أنيابها في عنقه وألقته أرضاً ،

لم تدم المعركة سوى بضع ثوان تقلص بعدها جسد نقولا ، وبقي بلا حراك والكلبة لا تزال تنهش في عنقه .

شاهدة الجيران :


تذكر اثنان من الجيران أنهما شاهدا فقياً معدماً ، يخرج بصحبة كلب أسود كان يأكل وهو يمشي شيئاً ما من يد صاحبه ،

في المساء عادت العجوز إلى دارها ، وقد نامت تلك الليلة ملء جفنيها .

إقرأ المزيد من القصص على موقعنا

تابعونا على الفايسبوك

By Lars