قصة مأساة حقيقية من روائع الأدب الفرنسي ، للكاتب هنري رينيه ألبيرغي دي موباسون، ولد موباسان ،
بقصر ميرونمسنل بنورمانديا بفرنسا ، في عام 1850م وتوفي عام 1893م ،
ذو الأسلوب المتميز في كتابة القصص القصيرة والروايات ذات الطابع الواقعي ،
وكان يكتب باللغة الفرنسية فقط ، ومن أشهر أعماله بيل أمي وكرة الشحم .
قصة مأساة حقيقية
كنت أقول في أحد الأيام ، وفي هذا المكان ،
إن المدرسة الأدبية في الأمس كانت تستخدم من أجل رواياتها مغامرات أو وقائع استئنائية قد تصادفنا في الحياة ،
بينما في المدرسة المعاصرة ، وهي التي تهتم إلا بما يتفق مع الحقيقة الممكنة ، فهي تقيم نوعاً من التوازن للأحداث العادية .
وها أنا قد وصلتني قصة كاملة ، حصلت على ما يبدو ، وكأن أحد الرواة الشعبيين ،
أو كاتب مسرح كتبها وهو تحت تأثير الهلوسة ، في كل الأحوال ، هي قصة أخاذة ، جيدة التدبير ممتعة جداً بغرابتها .
قصة مأساة حقيقية
الخطيبان :
في إحدى الممتلكات الريفية وهي نصف مزرعة ، ونصف قصر ، كانت تعيش مع ابنة يخطب ودّها أخوان ،
كان الشابان وهما من عائلة عريقة ، يسكنان بيتاً مجاوراً ، اختير البكر أما الثاني ،
والذى كان حبه العنيف يزيد في قلبه اضطراباً ، فقد أصبح مغتماً وحالماً وتائهاً ،
كان يغيب أيام بأكملها أو يبحبس نفسه في غرفته ليقرأ ويتأمل ،
وكلما زادت ساعات الزواج اقتراباً ، كلما ازداد قلقاً .
جريمة قتل :
قبل ما يقارب الأسبوع من التاريخ المحدد ، كان الخطيب عائداً مساءً من زيارته اليوميه لفتاته ،
وإذا به يتلقى رصاصة من مسافة قريبة عند زاوية الغابة ، نقلت مجموعة من الفلاحين جثته إلى بيته صباحاً ،
وغرق أخوه في يأس قاتل استمر عامين ، وظن الناس انه سيترهب أو ينتحر ،
وفي نهاية عامي اليأس هذين تزوج خطيبة أخيه !!
دليل الجريمة :
خلال تلك الفترة لم يستطيع أحد اكتشاف القاتل ،
إذ لم يبق من الجريمة أثر مؤكد ، الشيء الوحيد الدال عليها كان قطعة ورقة محترقة تقريباً ،
اسودت من البارود لأنها استخدمت كحشوة في بندقية القاتل ، وعلى هذه القصاصة طبعت بضعة أبيات شعرية ،
هي بلا شك ، نهاية أغنية ، لكن ما من أحد استطاع اكتشاف الكتاب الذي أخذت منه .
المشتبه به :
وقع الشك على صياد مخالف ، كان سلوكه يبعث على الارتياب ، لوحق وسجن واستجوب وعذّب ،
غير أنه لم يعترف ، فبرئت ساحته لعدم توافر الأدلة .
المأساة :
تلك كانت حيثية المأساة ، فهي أشبه برواية مغامرات مريعة ، احتوت كل شيء حب الأخوين ، غيرة أحدهما ، وفاة المفضل ،
الجريمة عند زاوية الغابة ، الدالة المضلله ، تبرئة المتهم ، والخيط الدقيق الذي بقي بين أيدي القضاة ، أي قصاصة الورق المسودّة بسبب البارود .
بعد عشرين عام :
وها هي سنوات عشرين تمر ، الابن الأصغر متزوج ، سعيد ، غني ومحترم ، وقد رزق ثلاث بنات ،
إحداهن بدورها ستتزوج ، ابناً لأحد القضاة القدامى ، كان واحداً ممن جلسوا في كراسي القضاء حين جرى اغتيال الأخ الأكبر .
حفل الزفاف :
وتم عقد القران في عرس ريفي بهيج ، تصافح الأبوان وملأ السرور قلب العروسين ،
وتوج الاحتفال بعشاء في قاعة القصر الطويلة ، شرب الجميع وضحكوا وتمازحوا ،
وحين وصلت الحلوى اقترح أحدهم غناء أهازيج وأغنيات كما كانوا يفعلون فيما مضى من الزمن .
أغنية ودليل الجريمة :
أعجبتهم الفكرة والكل بدأ في الغناء ، حين جاء دور أبي العروس ، شرع يبحث في ذاكرته عن أغنية كان يدندنها قديماً ،
فاستدعاها رويداً رويداً ، أضحكت الأغنية الجميع فصفقوا ، تابع غناء آخر مقطع فيها ،
وحين انتهى سأله جاره القاضي : بحق الشيطان !! من أين جئتنا بهذه الأغنية ؟ فأنا أعرف منها الأبيات الأخيرة ،
ويبدو لي بأنها تتعلق بمناسبة خطيرة في حياتي ، لكنني أعرف بالضبط ، فقد بدأت أفقد ذاكرتي .
ذكرة القاضي :
وفي اليوم التالي سافر العروسان في رحلة زفافهما ، أثناء ذلك كان هاجس ذكريات غير واضحة المعالم ،
مع رغبة جامحة في أن يستعيد شيئاً يفلت منه بلا هوادة ، يلحان على والد العريس ،
فصار يدندن دون توقف لازمة الأغنية التي غناها صديقه ، ولم يستطيع أن يعرف من أين جاءته تلك الأبيات ،
مع ذلك كان يحس بأنها منقوشة ومغروسة في رأسه منذ أمد بعيد ، وكأن لديه مصلحة جدية في ألا ينساها .
بعد سنتين من الزفاف :
مضت سنتان وإذا به يجد ، وهو يقلب أوراقاً قديمة نسخها بنفسه ، هذه الأبيات التي طال بحثه عنها ،
كانت الأبيات هي ما بقي مقروءاً على حشوه البندقية التي استخدمت فيما مضى سلاحاً للجريمة ،
حينذاك بدأ وحده في إعادة التحقيق ، يسأل بدهاء ، ويفتش في أثاث صديقه إلى أن وجد الكتاب التي انتزعت منه تلك الورقة .
إعادة المحاكمة :
في قلب الأب هذا كانت المأساة تجري ، ولد صهره المشبه به ، ولكن إن كان من يشك فيه مذنباً ،
فلأنه قتل أخاه ليسلبه خطيبته ! هل هناك جريمة أكثر وحشية ؟ تغلب آنذاك ضمير القاضي على شعور الأب ، أعيدت القضية للمحكمة ، وكان القاتل الحقيقي هو الأخ ، فحوكم .
بين الواقع والخيال :
ها هي ذي الأحداث كما وصلتني من أناس يؤكدون صحتها ، إذا في الأدب كما في الحياة المسلمة ،
التي تقول : ليست كل حقيقة تصلح لأن تعلن ، تبدو لي قابلة للتطبيق تماماً وأنا أؤيد هذا المثال الذي يبدو لي لافتاً ،
فإن رواية تستند إلى معطيات كهذه ، تجعل القراء لا يصدقون وتثير غضب كل فنان حقيقي .
إقرأ المزيد من القصص على موقعنا