قصة آنيوتا من روائع الأدب الروسي قام بكتبتها الكاتب الروسي الكبير أنطون بافلوفيتش تشيخوف ،
وعمل ككاتب مسرحي ، ومؤلف قصصي ، يعد من أعظم كتاب القصص القصيرة على مدار التاريخ ،
بدأ مجال الكتابه أثناء دراسته بكلية الطب جامعة موسكو ،
ولم يترك الكتابه حتى أصبح من كبار الأدباء الروس بجانب استمراره بمهنة الطب .
قصة آنيوتا
القصة :
في أرخص غرفة من غرف مدينة لشبونه ، أخذ ستيبان كلوتشكوف الطالب في السنة الثالثه في كلية الطب ،
يروح ويذهب من ركن إلى ركن ، يستظهر استذكارا للمواد الدراسية التي يدرسها بمجهود شاق ، حتى جف حلقه ، وسال العرق على جبينه .
وفي ركن من أركان الغرفة بجوار نافذة الغرفة المغطاة بالجليد ،
جلست خليلته أنيوتا على كرسي بلا ظهر، كانت أنيوتا البالغة من العمر الخامسة والعشرين عامًا ،
فتاة نحيلة صغيرة الحجم ، سوداء الشعر ، ذات عينين رماديتين ، كانت جالسة منحنية الظهر وهي تخيط ياقة قميصًا رجالي بخيوط حمراء .
ثم دقت ساعة الممر معلنة الثانية بعد الظهر ، بينما كانت لم ترتب الغرفة بعد ،
فكانت البطانية مبعثره والملابس أيضًا والكتب غير مرتبة في مكانها ، والوعاء الكبير المليئ بالقمامة على الأرض ،
وأعقاب السجائر ، كل هذه الصورة بدت وكأن كل شيء مكدس في كومة واحدة وكأنه مبعثر بشكل مقصود .
وقال كلوتشيكوف وهو يستظهر بصوت عالي : الرئة اليمنى تتألف من ثلاثة أجزاء ،
الجزء العلوي ورفع كلوتشيكوف عينيه ناحية السقف ، وهو يحاول أن يتصور ما قرأه لتوه ،
وعندما لم يجد تصورًا واضح لما قرأه ، أخذ يتحسس ضلوعه العليا من خلال القميص ،
وقال هذه الضلوع تشبه أصابع البيانو ولكي لا أتوه سيكون علي أن أدرسها على الهيكل البشري لشخص حي .
نظر إلى آنيوتا قائلًا لها : هيا يا آنيوتا ، قامت أنيوتا من مجلسها وخلعت سترتها ،
واستقامت ، جلس كلوتشيكوف أمامها وأخذ يعد أضلعها ،
قائلًا : الضلع الأول لا يمكن تحسسه لأنه خلف الترقوة ، أما الضلع الثاني حسنًا ،
وهذا الضلع الثالث ، وفجأة سأل أنويتا لماذا تنكمشين ؟ .
ردت عليه قائلة : لأن أصابعك باردة ، قال لها : لا لا لن تموتي ، وأكمل العد وهو يقول لها أنت نحيفة جدًا ،
لكن لا يصعب تحسس ضلوعك ، وأخذ يعد الثاني ثم الثالث ،
ثم تاه مرة أخرى فقرر أن يرسمها وأتى بقطعة من الفحم ،
وبدأ يخطط على صدر جسدها النحيل صورة الضلوع بشكل متوازي .
رائع أصبح الآن بامكان كلوتشيكوف تصورها وطلب منها النهوض ،
نهضت أنيوتا ورفعت رأسها وانشغل كلوتشيكوف بالنقر عليها لدرجة أن طالب الطب ،
لم يلحظ أنها صارت باردة تمامًا ، فقد ازرقت شفتيها من شدة البرد ،
لكنها لم تعترض لأنها تخاف ، أن يكف عن الرسم والنقر ،
ومن ثم لعله يرسب في الامتحان بسببها .
ثم بعد قليل قال لها كلوتشيكوف : كل شيء واضح الآن اجلسي هكذا ولا تمسحي الخطوط ،
أما أنا فسأستظهر قليلًا ما قرأته لبعض الوقت ، وعاد طالب الطب مرة أخرى يجئ ويذهب في الغرفة ،
وظلت أنيوتا منكمشة في مكانها من البرد ، ويغطي صدها شعرها الأسود ، ورسم الفحم ، كانت صامتة دائمًا وكثيرة التفكير.
كانت أنيوتا طوال السنوات الست أو السبع الماضيه من تقلبها فى الغرف المفروشة ،
قابلت خمس أشخاص مثل كلوتشيكوف ،
وقد تخرجوا جميعًا من الجامعات وأصبحوا في أماكن عمل مرموقة وقد نسوها تمامًا ،
فواحد منهم يعيش في باريس ، والتاني والثالث كانوا أطباء ، أما الرابع فقد كان رسامًا ،
والخامس يقال أنه أصبح بروفيسور ،
وكان كلوتشيكوف هو السادس وسوف ينهي هو الآخر دراسته قريبًا وسوف يشق طريقه ويكون له مكانة عظيمه وينساها بالطبع .
ولكن الحاضر سيء قليلًا ، فليس لديه تبغ أو شاي ، ولم يبقى من السكر سوى أربع قطع فقط ،
ينبغي أن تنتهي من الخياطة بسرعة جدًا ، وتسلمه لصاحبة الطلب ،
مقابل مبلغ من الروبلات التي سوف تشتري منه التبغ والشاي ،
وفجأة تردد من وراء الباب صوتًا مستأذنا بالدخول .
فألقت أنيوتا منديلًا صوفيًا لتغطي به كتفيها بسرعة ، ثم دخل فيتيسوف الغرفة ،
وطلب من كلوتشيكوف وهو ينظر له نظرة تبدو وحشية من تحت شعره المنسدل على جبهته ،
أن يعيره فتاته لمدة ساعتين ، لأنه يرسم لوحة ولكن الأمر يبدو صعبًا دون الاستعانة بموديل حي .
فوافق كلو تشيكوف فورًا وأمر أنيوتا بالذهاب معه ، ارتدت أنيوتا ملابسها وهي تتمتم وما الذى لا أره هناك ؟ ،
رد عليها (كلوتشيكوف) : كفاكي ، أن الرجل يرجوني فهو يريدك لأجل رسم لوحته ،
وليس لأي أمر آخر ، ماذا يمنع إن كنتي تستطيعين مساعدته ، واستدار كلوتشكوف يسأله : وما الذي ترسمه ؟ .
رد عليه فيتيسوف : جنون ، موضوع رائع ، ولكني لم أوفق في رسمه مضطر أن أرسمه من موديلات مختلفة ،
أما أنت فمازلت تستظهر يا لك من صبور ، رد كلوتشيكوف : أن الطب علم لا يمكن تخطيه دون استظهار .
قال له فيتيسوف : أعذرني يا كلوتشيكوف أنا أشعر أنك تعيش مثل الحيوانات ،
فانظر حولك الفراش غير مرتب ، والأوساخ والقمامة تملأ المكان ،
يا للفظاعة وعصيدة البارحة ما زالت في الطبق ،
يجب أن يكون الرجل المتحضر محبًا للجمال ، قالها ثم نظر حوله باشمئزاز وانصرف مع أنيوتا.
استلقي كلوتشيكوف على الأريكة وصار يستظهر ،
ثم راح في النوم رغما عنه ، واستيقظ بعد ساعة وبعدها نهض وأخذ يفكر ، وسرح بخياله في مستقبله بدقة ، وراح يتخيل نفسه في عيادته الخاصة يستقبل مرضاه .
وأن له زوجة جميلة ومرتبه يجلس معها في غرفة الطعام يتناولان الشاي سويا ، أما حاله الآن فكما قال له الرسام بوضع قذر وفظيع ، كل ما حوله مقيت ، وعاء القمامة المملوء على الأرض وأعقاب السجائر ، حتى أنيوتا أيضا قبيحة وتافهة ، ولابد أن يقطع علاقته بها فورًا .
عندما عادت أنيوتا من عند الرسام منهكة من كثرة وقوفها بوضعية واحدة لمدة طويلة ، خلعت معطفها فقال لها كلوتشيكوف بجدية : أنيوتا علينا أن نفترق ، باختصار فأنا لا أريد العيش معك .
التقطتت أنيوتا معطفها مرة أخرى وارتدته ، وأخذت تلملم الخيوط والإبر ، وأخذت لفافة السكر التي وجدتها بجانب النافذه ، ووضعتها على الطاولة بجوار الكتب وقالت له مخبئة دموعها ، هذا لك .
سألها كلوتشيكوف لماذا تبكين ؟ ، أنت فتاة جميلة ولست غبيه ، وبالتأكيد أنت تعلمين أننا سوف نفترق يومًا ، استدارت الفتاة لتودعه ، فأشفق عليها كلوتشيكوف وقال لها اذا أردت أن تبقي أسبوع آخر فلتبقي ، وإذا أردت أن تذهبين فاذهبي إن شئتٍ ، فخلعت معطفها بصمت وهدوء ، ثم جلست آنيوتا مرة أخرى ، وأخذ هو يستظهر مرددًا الجزء العلوي في الحجاب الحاجز .
إقرأ المزيد من القصص على موقعنا