كان هناك شاب والده يعمل في تجارة الجواهر والياقوت وكان الشاب يؤثر أصدقائه ويغدق عليهم بالمال وهم بدورهم يجلونه ويحترمونه بشكل لا مثيل له وتدور الأيام دورتها ويموت الوالد وتفتقر العائلة افتقارًا شديدًا ، فقلب الشاب في ذكرياته ليبحث عن أصدقائه فعلم أن أعز صديق كان يكرمه وكان أكثرهم مودة وقرب منه قد أثرى ثراءً لا يوصف وأصبح من أصحاب القصور والأملاك والأموال فتوجه إليه عسى أن يجد عنده عملًا أو سبيل لإصلاح حاله .

لما وصل باب القصر استقبله الخدم والحشم فذكر لهم صلته بصاحب القصر وما كان بينهما من مودة قديمة فذهب الخدم فأخبروا صديقه بذلك فنظر إليه ذلك الرجل من خلف الستار ليرى شخصًا رث الثياب عليه أثار الفقر فلم يرضى الرجل بلقائه وأخبر الخدم أن يخبره وأن صاحب القصر لا يمكنه استقبال أحد .

فخرج الرجل والدهشة تغلب عليه وهو يتألم على الصداقة كيف ماتت وعلى القيم كيف تذهب بصاحبها بعيدًا عن الوفاء وبالقرب من داره صادف ثلاثة من الرجال عليهم أثر الحيرة وكأنهم يبحثون عن شيء فقال لهم ما أمر القوم فقالوا له نبحث عن رجل يدعى فلان بن فلان وذكروا اسم والده فقال لهم إنه أبي وقد مات منذ زمن فقالوا إن أباك كان يتاجر بالجواهر وله عندنا قطع نفيسة من المرجان كان قد تركها عندنا أمانة .

فأخرجوا كيسًا كبيرًا مليء بالمرجان ودفعوه إليه ورحلوا عنه والدهشة تعلوه وهو لا يصدق ما يرى ويسمع ولكنه تساءل أين اليوم من يشتري المرجان فإن بيعه يحتاج إلى أثرياء والناس في بلدته ليس فيهم من يملك ثمن قطعة واحدة فمضى في طريقه وبعد برهة من الوقت صادف سيدة كبيرة في العمر عليها أثار النعمة والخير فقالت له يا بني أين أجد جواهر للبيع في بلدتكم فتسمر الرجل في مكانه لكي يسألها عن أي نوع من الجواهر تبحثين فقالت أي أحجار كريمة رائعة الشكل بأي ثمن .

فسألها إن كان يعجبها المرجان فقالت له نعم المطلب فأخرج بضعه قطع من الكيس فأدهشت السيدة لما رأت فابتاعت منه قطعًا ووعدته بأن تعود لتشتري منه المزيد وهكذا عادت الحال إلى يسر بعد عسر وعادت تجارته تنشط بشكل كبير فتذكر بعد حين من الزمن ذلك الصديق الذي ما أدى حق الصداقة فبعث فيه ببيتين من الشعر بيد صديق جاء فيهما :

صحبت قومًا لئامًا لا وفاء لهم .. يدعون بين الورى بالمكر والحيل .
كانوا يجلونني مذ كنت رب غنى ..وحين أفلست عدوني من الجهل .

فلما قرأ ذلك الصديق هذه الأبيات كتب على ورقة ثلاثة أبيات وبعث بها إليه وجاء فيها :

أما الثلاثة فقد وافوكم من قبلي .. ولم تكن سببًا إلا من الحيل
أما من ابتاعت المرجان والدتي .. وأنت أنت أخي بل منتهى أملي
وما طردناك من بخل وقللي .. ولكن عليك خشينا وقفة الخجل .

فليس أريح لقلب المرء في هذه الحياة ولا أسعد لنفسه من حسن الظن فيه يسلم من أذى الخواطر المقلقة التي تؤذي النفس وتكدر البال وتتعب الجسد ..

By Lars