هناك العديد من الأماكن التي تحكي تاريخًا يذكره الأجيال على مر الأزمنة والعصور ، وقد تم إنشاء مقهى “الحافة” في مدينة طنجة بالمغرب منذ نحو مائة عام ، ليكون وجهة للعديد من الأدباء والشعراء والمشاهير عبر العالم ، كما ارتاده العديد من السياح من جميع أنحاء المشرق والمغرب ، حتى أصبح مكانًا تاريخيًا عريقًا يثير إعجاب العالم بأكمله .
قصة بناء المقهى :
قام شخص يُدعى “با محمد” بالعمل على تأسيس هذا المقهى العريق خلال عام 1921م ، وهناك من يقول أنه بُني عام 1915م ، حيث قام با محمد بتحويل مكان مهجور كان يتجمع فيه المشردون والسكارى إلى مكان تاريخي عظيم ، وذلك لأنه كان ينظر إلي هذا المكان بعيون واعية مدركة لحقيقة أهميته الإستراتيجية ، فعمل بجد وكافح بصبر حتى تمكن في النهاية من إخراج المقهى إلى العالم .
وقد تم بناء المقهي في حي “مرشان” بمدينة طنجة ، حيث يطل على مضيق جبل طارق والسواحل الإسبانية ، وتم تصميمه على خمس مستويات رأسية ، ليكون في كل مستوى أماكن مخصصة للجلوس والاسترخاء في هذا الجو الساحر ، حيث الإقبال الشديد من السكان والسياح على هذا المقهى التاريخي المتطور .
إقبال المشاهير على مقهى الحافة :
أصبح مقهى الحافة وجهة رئيسية للعديد من مشاهير العالم من الأدباء والشعراء والفنانين ، وكان الكاتب الأمريكي “بول بولز Paul Bowles ” هو أحد أهم الأشخاص الذين اعتادوا الذهاب إلى المقهى ، حيث أن شغفه بالمكان جعله دائم التردد عليه ، نظرًا للجاذبية التي وجدها هناك ، حيث الإطلالة المميزة وصوت النوارس الساحر الذي يحيط بالمقهى ، لدرجة أنه قرر أن يقيم في مدينة طنجة التي سحرته بجمالها الخلاب ، حيث عاش بها أكثر من نصف عمره حتى توفي هناك خلال عام 1999م .
جذب هذا المقهى أيضًا الفيلسوف الفرنسي “برنار هنري ليفي Bernard-Henri Lévy ” ، حيث قام باقتناء منزل تطل شرفاته بصورة مباشرة على مدرجات مقهى الحافة الذي سحره بجماله ، كما كان هذا المقهى هو المكان الذي شهد على كتابة رواية “الخبز الحافي” للكاتب المغربي “محمد شكري” الذي كان يذهب هناك لتلقي الوحي من أفكاره التي كانت تستعيد ذكرياته مع مدينة طنجة هناك ، كما كان الروائي المغربي “الطاهر بنجلون” يعتاد أيضًا زيارة هذا المقهى .
لم يكن المقهى جاذبًا فقط لأصحاب الأقلام الفلسفية والأدبية ، بل إنه كان المكان الأمثل للعديد من رجال السياسة ، حيث أنهم وجدوا فيه الراحة والاسترخاء بعيدًا عن مناخ الحكم والسلطة والبروتوكولات ، ومن أمثلة هؤلاء السياسيين الذين استمتعوا بسحر مقهى الحافة رئيس وزراء إنجلترا الأسبق “وينستون تشرشل Winston Churchill “.
وكذلك كان يذهب الأمين العام للأمم المتحدة ” كوفي عنان Kofi Annan” إلى هذا المقهى كي يشعر بالراحة ويستمتع بسحر المكان وروعته ، حتى أصبح المقهى يحمل اسمًا تاريخيًا يوفر صنوف الراحة والإبداع ، وذلك ما أكده بعض الكُتاب في حديثهم عن مقهى الحافة ، حيث قال عنه الكاتب الطنجاوي “يوسف شبعة” بأنه يوفر شروط الإبداع لمرتاديه.
وهكذا مضى المقهى منذ قديم الزمان بخطوات جريئة متحدية كل الأماكن ، حتى أصبح أحد أهم المعالم التاريخية في المغرب العربي ، ولازال يتردد عليه العديد من الشخصيات العريقة التي تجد فيه كل ما تتمناه النفس من ارتياح وسعادة لا مثيل لهما .