من السهل تتبع أصول أسطورة الملك آرثر ، وذلك على العكس تمامًا من تتبع أصول الشخصية الحقيقية ، ويرجع الكثير من الفضل في ذلك ، إلى كاهن ويلزي غامض يدعى جيفري المنموثي ، الذي كان يحاضر الطلاب في أكسفورد ، خلال النصف الأول من القرن الثاني عشر .
وتقريبًا في عام ١١٣٨م ، أخرج جيفري كتابه بعنوان تاريخ ملوك بريطانيا ، ليرى النور في تلك الفترة ، وكانت قصة الملك آرثر ، بالكتاب كما يرويها جيفري ، تصل إلى ذروتها في القرن الخامس ، عندما قام الساكسونيون الوثنيون ، بقيادة الأخوين هنجيست وهورسا ، بغزو وتدمير قطاع كبير من البلاد ، ويظهر ساحر شاب ، في تلك الفترة يدعى ميرلين، في المشهد بتنبؤات عن ملك سوف ينقذ بريطانيا .
في تلك الأثناء ، يقع الملك أوثر في حب إيجرنا بلا أمل ، فلسوء الحظ هي متزوجة بالفعل ، من جورلويس دوق كورنوول ، فيتدخل ميرلين للمساعدة ، فيحول أوثر إلى نسخة طبق الأصل من جورلويس ، بحيث يتمكن الملك من مغافلة حرس الدوق ، وممارسة الحب مع إيجرنا ، وكان هذا ما أتى بآرثر إلى الحياة .
تمر قرابة خمسة عشر عامًا سريعًا ، حين يعتلي آرثر الشاب العرش ، فيهزم الساكسونيين شر هزيمة ، ويحصرهم في جزء صغير من بريطانيا ، وفيما بعد يقهر البيكتس والاسكتلنديين والأيرلنديين ، والأيسلنديين من بين آخرين كثيرين ، وحين يطالبه السفراء الرومان بأن يعرب ، عن إجلاله وتقديره للإمبراطور ، يعبر آرثر القنال الانجليزي ويهزم جيوشهم في فرنسا .
وبينما كان آرثر بالخارج ، نصب ابن أخيه موردرد نفسه ملكًا ، ووقع في الرذيلة مع مليكة آرثر جنيفر ، وحين يعود آرثر ويذبح الخائن ، يصاب بجرح خطير ، ليشاهده الجميع لآخر مرة وهو ينقل إلى جزيرة أفالون .
هكذا سارت القصة كما رواها جيفري المنموثي ، فكان انتصار آرثر مؤقتًا فقط ، إذ هزم الأنجلوساكسونيون مواطني آرثر البريتانيين ، لتتحول بريطانيا إلى أنجل لاند ، التي تعني بالعربية أرض الأنجل ، أو إنجلاند التي تعني بالعربية إنجلترا .
ولكن لم يضف كل ذلك سوى جاذبية للقصة لدى البريتانيين الذين كانوا يشعرون بحنين إلى عصرذهبي حكموا فيه الأرض ، فآرثر بالنسبة إليهم لم يمت ، بل كان في انتظار اللحظة المناسبة للعودة من أفالون .
بات هذا العصر الذهبي ، الذي يتوقون إليه أكثر ذهبية ، في خيالات كتاب العصور الوسطى اللاحقين ، الذين قاموا بتعزيز أسطورة جيفري ، فأدخل الكاتب الفرنسي روبرت ويس المائدة المستديرة ، ومن ثم استطاع فرسان آرثر الجلوس كأنداد ، وقام فرنسي آخر يدعى كريتيان دي تروا ، بإبراز لانسلوت فارس آرثر المخلص ، ومعشوق جنيفر الحميم ، وأضاف الألماني فولفرام فون إشنباخ الفارس برسيفال .
وبنهاية حقبة العصور الوسطى ، تحول جنود آرثر الذين كانوا مشاة في القرن الخامس إلى فرسان على أحصنة ، وتحولت تلاله الحصينة إلى قلاع ضخمة ، وتحول بلاطه الملكي إلى قلعة كاميلوت يوتوبيا الفروسية .
اجتمعت كل هذه العناصر على يد رجل إنجليزي ، هو توماس مالوري في روايته موت آرثر في القرن الخامس عشر ، مانحًا بها أبناء جلدته رواية خرافية توازي رواية أي أمة عن آرثر ، وكان هناك مفارقة معينة في ذلك ، إذ إن القصة الأصلية جعلت مواطني آرثر البريتانيين ، في حرب ضد أسلاف الإنجليز الأنجلوساكسونيين .
ولكن تلك هي طبيعة الخرافات الكلاسيكية ، فبوسعها أن تتجاوز أي حدود من أي نوع ، لك أن تشاهد إعادة إحياء الأسطورة في القرن العشرين ، في أشكال مختلفة ومتنوعة تراوحت ما بين الأدب النسائي ، وأبرزها في روايات ماريون زيمر برادلي ، والمسرح الغنائي بطولة ريتشارد برتون في نسخة برودواي .
يبدو أن الحنين لعودة عصر ذهبي هو حنين أبدي ، فحين أشار الصحفي ثيودور إتش وايت ، إلى سنوات عهد كينيدي بأنها لحظة قصيرة مضيئة ، مستشهدًا بالمسرحية الغنائية ، سرعان ما أطلق على إدارة الرئيس كاميلوت .
ومن الواضح أن الكتابات الويلزية وحدها ، لم تكن لتقنع المشككين ، فما كان مطلوبًا هو دليل أكثر قوة على وجود آرثر ، وفيما يبدو أن ذلك قد تبلور بشكل مادي في عام ١١٩١ أو ١١٩٢ وفقًا للبعض ، كان ذلك حين أعلن رهبان دير جلاستونبري ، أنهم قد اكتشفوا جثتي آرثر وجنيفر .
قام بوصف الاكتشاف شخص يدعى جيرالد من ويلز ، ولم يكتب عنه إلا بعد عامين في أعماق الأرض في بلوط فقط ، وحكى جيرالد كيف وجدت الجثتان في جلاستونبري أسفل حجر وليس فوقه ، وأضاف أن صليبًا من الرصاص قد وجد مجوف كما هو متبع اليوم ، وكانت الكلمات المنقوشة على الصليب تقول: هنا يرقد الملك الشهير آرثروس ، وزوجته الثانية وينيفيريا في جزيرة أفالونيا ، فهل كانت جلاستونبري هي جزيرة أفالون ؟
لا يوجد إجماع واضح بين المؤرخين على ذلك ، إلا أن الغالبية يميلون إلى عدم تصديق أن العظام التي وجدت ، كانت لآرثر وجنيفر ، ولعل من أسباب ذلك أن بلدة جلاستونبري الواقعة في سومرست ، محاطة بشكل شبه كامل بالمروج الخضراء ، وربما كانت هذه المروج في وقت من الأوقات مستنقعات ، ولكن يظل من المبالغة بعض الشيء أن نتخيل أنها جزيرة أفالون .
انتبه المشككون أيضًا إلى أن النقش المرسوم ، على الصليب الرصاصي قد كتب بنمط من الحروف ، شاع في القرن العاشرأو الحادي عشر ، وليس في القرن الخامس أو السادس ، وهي الفترة التي يفترض أن يكون آرثر قد مات فيها ، وبدا أن ذلك دلالة على وجود نوع من الاحتيال .
الأسوأ من ذلك أن الرهبان كان لديهم دافع محدد لتلفيق الاكتشاف ، فقد كان جزء كبير من الدير قد احترق مؤخرًا ، وكان موقع قبر آرثر سيجذب الكثير من الحجاج إليه ،وهو ما حدث بالفعل ، وقد أحضر معهم الحجاج الأموال التي كان الرهبان في أشد الحاجة إليها ، من أجل عملية الترميم .
في المقابل رد أنصار الدير على ذلك ، بأن الرهبان لو أرادوا تزييف نقش ، فقد كانوا على دراية كافية لاختيار نقش قديم وملائم ، وجادلوا بأن جثمان آرثر قد عثر عليه لأول مرة ، في السنوات اللاحقة لعام ٩٤٥ ، حين قام الدير بهدم ضريح كبير كان مقامًا على الأرض ، وخمنوا أنه لابد أن يكون قد أعيد دفن آرثر في هذه البقعة ، ومعه صليب جديد بحروف القرن العاشر المعاصرة وقتئذ .