كانت الفترة التي احتلت فيها فرنسا ، دولة الجزائر منذ عام 1830م وحتى عام 1962م ، من أكثر الفترات التي ارتكبت فيها الكثير من الانتهاكات ، بحق الجزائر والجزائريين ، بداية من عمليات القتل الجماعي للمواطنين ، ونهب الأراضي وتدنيس المساجد ، وحتى حرق الأراضي وتشريد الأطفال ، وسوف نروي قصتين من انتهاكات فرنسا داخل الجزائر .
مدفع بابا مرزوق أقدم أسير جزائري في فرنسا :
تمتعت الجزائر لفترة طويلة ، بأسطول بحري قوي ، كان مرابطًا دائمًا حول البحر المتوسط ، وحوله إلى محمية طبيعية طيلة الفترة ، من القرن السادس عشر ، وحتى القرن التاسع عشر ، وكانت الجزائر في هذا الوقت ، ذات قوة بحرية مرعبة للدول الأوروبية ، فاستطاعت بفضلها أن تحمي نفسها ، من هجمات ومناوشات إسبانيا وغيرها من الدول ، المهاجمة الجزائر واحتلالها .
وذلك في أواخر القرن الخامس عشر ، تلك الحملة التي كانت سببًا قويًا في أن يلمع اسم القائد العثماني ، خير الدين بربروس الذي أسس هذا الأسطول القوي ، وكان قد بدأه بأربعة سفن بحرية ، قبل أن يتوسع وتتزايد أعداد السفن .
وإلى جانب هذا الأسطول القوي ، امتلكت الجزائر بما عرف باسم مدفع بابا مرزوق ، والذي كان بمثابة الحارس الأمين للمدينة ، ضد أية غارات قادمة حتى تم تسمية المدينة بالمحروسة ، نظرًا لدور مدفع بابا مرزوق في الدفاع والذود عنها ، والذي كان له دور بارز أكثر ، عقب تحطم الأسطول البحري ، في معركة نافارين عام 1827م ، فصمدت الجزائر طويلاً إبان العدوان الفرنسي عليها قبل أن تسقط ، هذا المدفع الذي صنع عام 1542م في دار النحاس بالجزائر ، بطلب من الباشا حسن .
وروي أنه عقب سقوط الجزائر ، انطلق قائد الأسطول الفرنسي ، والمدعو الأميرال غي دوبيري ، عام 1830م للاستيلاء على مدفع بابا مرزوق ، وبالفعل استولى عليه ونقله إلى مدينة بريست في فرنسا ، ليظل قابعًا هناك حتى وقتنا هذا ، كنصب تذكاري .
وكانت من بين مهام مدفع بابا مرزوق في فرنسا ، هو إعدام الجواسيس الفرنسيين ، وذلك بوضعهم على فوهة المدفع والقذف بهم في البحر ، ومن أبرز ضحاياه الأب فاشر ، سفير الملك لويس الرابع عشر ، والذي كان قد ساعد الأميرال أبراهام دوكاسن ، إبان حملته في غزو الجزائر عام 1671م ، بعدد من التقارير التي أثبتت فشلها آنذاك ، فوضعه الداي بالجزائر على فوهة المدفع ، وقام بقصف سفينة الحملة به .
تحويل مسجد كتشاوة إلى كنيسة بعد قتل 4000 مصل :
كانت الحملة الفرنسية بالجزائر ، حملة تبشيرية من الدرجة الأولى ، وليست عسكرية كما بدا منها في البداية ، وعلى الرغم من توقيع الجزائر على معاهدة استسلام ، احتوت على بند إلزامي للاحتلال الفرنسي ، باحترام دين المواطنين الجزائريين ، وكل ما يتعلق بعاداتهم وعباداتهم وممتلكاتهم ، إلا أن الفرنسيين لم يحترموا تلك المعاهدة ، وما جاء بها من بنود وقاموا بتحويل مسجد كتشاوة ، من مسجد إلى كنيسة .
كان يجاور المسجد سوق للماعز ، ولهذا عرف باسم كتشاوة ، وهي لفظة تركية تعني سوق الماعز ، حيث بناه الأتراك عام 1612م ، في العهد العثماني وفي هذا الوقت ، قرر الحاكم العثماني الباي حسن تزيينه وزخرفته ، وجعله مركزًا لتعليم الدين وعلوم القرآن .
وفي عام 1823م أمر القائد الأعلى للقوات الفرنسية ، والذي يدعى الدوق دو روفيغو ، باقتحام المسجد وحرق ما به من مصاحف ، وكان يرابط به في هذا الوقت أربعة آلاف مصلي ، تم قتلهم جميعًا ليجعل من أجمل مسجد بالعاصمة ، معبدًا للمسيحيين .
وبقي المسجد يرتل فيه الإنجيل ، ورافعًا للصليب طيلة فترة الاحتلال ، حتى انتهى الاستعمار الفرنسي للجزائر ، وأعاد الجزائريون المسجد إلى حالته الأولى ، وأقام رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين ، أول صلاة بالمسجد مرة أخرى ، عقب أكثر من قرن ، تحول فيها إلى كنيسة .