لك أن تتخيل عالمًا مختلفًا حيث تتوهج فيه أركان متلألئة براقة وتتألق في ظلام حار ورطب للغاية ، إنه كهف البلورات البديع ومما لا شك فيه أن اكتشاف هذا الكهف هو حلم لكل جيولوجي طموح ، يقع هذا الكهف على بعد مئات الأمتار تحت الأرض في نايكا بالمكسيك ، ولا يشبه أي شيء سوى كاتدرائية غريبة ، مع أسقف مدعومة ببلورات السيلانيت الضخمة .
كيف تم اكتشاف الكهوف الكريستالية البلورية ؟
يقع هذا الكهف بالقرب من مجمع للألغام ، وقد تم اكتشافه عام 2000م من قبل اثنين من عمال المناجم ، وهم إيلوى وخافيير ديلجادو ويقع الكهف تحت كهف كريستال أصغر آخر تم اكتشافه في عام 1910م ، وتوجد كهوف أخرى مماثلة في الجوار ومنها : قصر الجليد وكهف السيوف وعين الملكة وكهف الشموع .
كما أنه يحتوي على بلورات رائعة ورواسب معدنية ، تم تكوينها عبر السنين بواسطة التفاعلات الكيميائية والحرارة والرطوبة ، و تحتوي المنطقة المحيطة على منسوب مائي مرتفع للغاية ، وكان على مالكي المناجم المجاورة ضخ أكبر قدر ممكن من المياه ، من أجل الوصول إلى الفضة وغيرها من المعادن .
و كان تأثير ضخ المياه في المناجم وإزالتها من الكهوف البلورية المجاورة ، هو الذي مهد الطريق لاكتشافها وقام بالاستكشافات العلمية هناك ، العالم بيني بوسطن وزميله حيث قاما بدراسة وعمل عينات من عمود السلينيت ، والذي اكتشفوا به ميكروبات مدمجة موجودة في تلك البلورات العملاقة ، ومثل جميع زوار الكهف ، كان عليهم ارتداء ملابس واقية واتخاذ الاحتياطات اللازمة ، لتجنب تلويث أعينهم .
وتخبرنا وكالة الفضاء الأوروبية أن هذا الكهف البلوري الجميل يحتوي بشكل مخيف على بيئة مميتة ، حيث لا تنخفض درجة الحرارة أبداً عن 58 درجة مئوية (136 فهرنهايت) ، وتصل نسبة الرطوبة فيه إلى حوالي 99٪ ، وحتى إذا ارتديت ملابس واقية ، يمكن للبشر تحمل الظروف الخطرة الموجودة به لمدة عشر دقائق فقط في كل مرة .
ونتيجة لذلك يحظر السياحة بهذا الكهف ، هم فقط العلماء الذين قد وصلوا إلى الكهف مع عمال المناجم الذين يعملون كمرشدين ، وتتطلب البلورات السيلنيتية بيئة دافئة ورطبة للبقاء على قيد الحياة ، وكان على العلماء أن يتحركوا بسرعة لدراسة الكهف بينما كان الوصول إليه ممكناً ، كما أن الميكروبيولوجيين يريدون الحصول على عينات من أشكال الحياة التي قد توجد في السوائل المحتبسة داخل البلورات .
و في أوائل عام 2017م أبلغ الباحثون عن العثور على جراثيم نائمة داخل البلورات ، ربما كانت محاصرة داخل البلورات منذ ما لا يقل عن 10000 سنة وربما منذ 50000 سنة ، بعض البكتيريا التي تعيش في الكهف لا تتطابق مع أي شكل من أشكال الحياة الأخرى المعروفة على هذا الكوكب .
لقد وجدها العلماء نائمة و تمكن الباحثون من إعادة إحيائها في المختبر ، للحصول على مزيد من المعلومات حول ما هي عليه والظروف التي كانت في الكهف عندما كانت البكتيريا محاصرة ، يشار إلى هذه البكتيريا باسم مميز وهي “المتطرفة” ، لأنها يمكن أن تعيش في ظروف شديدة القسوة من الحرارة والرطوبة .
وفي ظل توقف عمليات التعدين وتوقف الضخ ، نجحت عملية إعادة الملء في الحفاظ على البلورات في الوقت الحالي ، ولكنها أدت أيضًا إلى إدخال كائنات حية جديدة إلى الحجرة الخارجية لبيئة البلورات بلورات السيلينيوم ، التي تشكلت على مدى مئات الآلاف من السنين .
ان تلك البلورات نمت تدريجيًا في أعمدة السلينايت ، حيث نمت ببطء في بيئة رطبة وحارة في الكهف ، ويعتقد الجيولوجيون أن الأعمدة في Cueva de los Cristales قد تكون قد استغرقت نصف مليون سنة ، للوصول إلى أطوالها الحالية التي يبلغ طولها عدة امتار .
وقد يكون هناك بيئات غريبة مماثلة فمثلًا قد يكون لأوروبا محيط خفي تحت قشورها الجليدية ، وعلى الرغم من أن البيئة تحت الأرض قد تكون “متطرفة” تماماً كما هو الحال في كهف البلورات الكريستالية ، إلا أنها مثال جيد لما يشير إليه البعض على أنه “بيئة غريبة” على الأرض .
ويخبرنا العلماء أن مثل تلك الأماكن موجودة في مكان آخر في النظام الشمسي ، حيث قد لا يبدو التطرف في درجات الحرارة والكيمياء والرطوبة مضيئًا للحياة ، ومع ذلك وكما توضح مغارة البلورات يمكن للميكروبات أن تنجو من الظروف القاسية ، مثل المناطق الصحراوية أو تحت الماء العميق ، أو حتى المغطاة بالصخور والمعادن .
ويخبرنا العلماء أيضًا أن مثل تلك البكتيريا يمكن أن تتواجد في عوالم أخرى وفي ظروف مشابهة ، ويمكن أن تتواجد في مناطق مثل المريخ أو كوكب الزهرة أو كوكب المشتري ، ومع ذلك سيواجه علماء المستقبل مجموعة مختلفة قليلاً من أشكال الحياة ، كمثل تلك التي جلبها البشر عندما دخلوا مغارة البلورات لاستكشاف بيئتها الأصلية .