لقد كان للعرب العديد من المواقف الطريفة في كل زمان ، والتي خلدّها التاريخ على مر العصور ، ويُعد موقف هارون الرشيد مع جعفر البرمكي في الصحراء من أبرز المواقف الطريفة التي وردت في كتاب “مجاني الأدب في حدائق العرب” للمؤلف “لويس شيخو”.
الخروج إلى التنزه :
كان هارون الرشيد ذات يوم في رحلة للتنزه بصحبة ثلاثة من أصدقائه وهم رجال أيضًا رجال دولته ، وكان من بينهم جعفر البرمكي وهو أبو الفضل جعفر بن يحيي بن خالد بن برمك ، وكان يشغل منصب وزير في عهد هارون الرشيد ، كما كان هو الذي يحمل خاتم السلطة في عهده ، وكان يُعرف أيضًا على أنه مستشاره الأمين وذلك قبل وقوع الفتنة بينهما ووقوعه أسيرًا فيما بعد .
خرج هارون مع هؤلاء الأصدقاء وهم أبو يعقوب النديم وأبو نواس والبرمكى من أجل التنزه والترفيه عن النفس ، فقابلوا في طريقهم شيخًا عجوزًا كان يشتكي ألمًا في عينيه ، فقاموا بالمزاح معه حيث قام جعفر البرمكي في التفكير في حيلة يمازح بها الرجل ، فحاول أن يقنعه بأنه قد وجد دواء يمكنه أن يشفي ألم عينه .
البرمكي مع العجوز في الصحراء :
مضي هارون الرشيد مع أصدقائه في الصحراء ذات يوم ، فرأوا ذلك العجوز في طريقهم وكان متكئًا على حماره ، فقال هارون الرشيد إلى جعفر : “اسأل هذا الشيخ من أين هو؟” ، وبالفعل ذهب إليه جعفر سائلًا : “من أين جئت؟” ، فأجابه الرجل : “من البصرة” ، فسأله جعفر مرة أخرى : “وإلى أين سيرك؟”.
أجاب العجوز قائلًا : “إلى بغداد” ، وعاد جعفر ليسأله : “وما تصنع فيها؟” ، فقال العجوز : “ألتمس دواء لعيني” ، حينها تحدث هارون الرشيد قائلًا : ” يا جعفر مازحه” ، فردّ جعفر بقوله : “إذا مازحته أسمعُ منه ما أكره” ، فقال الرشيد : “بحقي عليك أن تمازحه ” ، ففعل جعفر ما طلبه منه هارون الرشيد .
وصف دواء عجيب :
بعد أن استمع جعفر إلى طلب هارون الرشيد اتجه إلى العجوز قائلًا : “إن وصفتُ لك دواء ينفعك فما الذي تكافئني به؟” ، فقال العجوز : “الله تعالى يكافئك عني بما هو خير لك من مكافئتي” ، حينها قال جعفر : ” أنصت إلىّ حتى أصف لك هذا الدواء الذي لا أصفه لأحد غيرك”.
سأل العجوز عن الدواء قائلًا : “وما هو ؟” ، فأجابه جعفر : “خذ لك ثلاث أوراق من هبوب الريح وثلاث أوراق من شعاع الشمس ، وثلاث أوراق من زهر القمر وثلاث أوراق من نور السراج ، واجمع الجميع وضعها في الريح ثلاثة أشهر ، ثم بعد ذلك ضعها في هاون بلا قعر ودقّها ثلاثة أشهر ، فإذا دققتها فضعها في جفنة مشقوقة وضع الجفنة في الريح ثلاثة أشهر ، ثم استعمل هذا الدواء في كل يوم ثلاثة دراهم عند النوم ، واستمر على ذلك ثلاثة أشهر فإنك تتعافى بإذن الله تعالى “.
استمع العجوز إلى وصفة جعفر العجيبة ، وحينما انتهى من وصفته قال له الشيخ : ” لا عافاك الله يا صاقع الذقن ، خذ مني هذه اللطمة مكافأة لك على وصفك هذا الدواء ” ، وقام العجوز بضرب جعفر على أم رأسه ، حينها ضحك هارون الرشيد حتى استلقى من كثرة الضحك ، ثم أمر بصرف ثلاثة آلاف درهم لهذا العجوز .