لا تدع النقد يعكر صفو تفكيرك ، وتذكر أن المذاق الوحيد للنجاح ، عند بعض الناس هو طعم تلك العضة التي ينالونها منك .. زيغ زيغلر .

حراسة :
ليس لديه ما يسرق : لا أثاث ولا أواني ولا أطفال ولا امرأة .. ليس غير لباسه ، ومع ذلك فهو يغدق الخبز على كلاب ضالة لتحرس له باب بيته المتداعي في هذا الحي ، من طوق الفقر الصفيحي حول المدينة ، كلاب جوعى مثل هذه لا يمكنها حراسة أحد أو حمايته من المعتدين ، ولكنها قد تدرك أن عليها رد الجميل لمن يفتت لها الخبز كل صباح بنبحة أو نبحتين ليلا ، إذا ما حاول متطفل أو معتد الاقتراب من الباب .

برد قارس وإطعام :
الصباح ضبابي وقارس البرودة ، يخرج الرجل من بيته ، يجلس على العتبة ، تقترب منه الكلاب في فئات متباينة ، اثنان يقتربان منه أكثر يلحسان يديه وحذائه ، والخمسة الباقون يقفون بعيدا ، البرد قارس ، الرجل والكلبان ينفثان دخانهما على بعضهما البعض ، يتبادلون الأنفاس ، انسحب الرجل إلى داخل البيت ثم عاد بحجر قميصه مملوء خبزًا يابسة طغى على الجزء الأكبر من سطحها ، صوف أخضر نتن ، شرع يفتتها للكلبين اللذين يصفقان بذيلهما فرحا ويلهثان من انفتاح الشهية ، ويلتفتان بين الفنية والأخرى ، للتأكد من احترام باقي الكلاب الخمسة للمسافة الفاصلة بينهما .

الردع :
ينتهي الرجل من تفتيت الخبز للكلاب ، يمرر يديه على عنقيهما رضا واستحسانا ، يغلق باب البيت ثم ينصرف مبتعدًا عن طوق الفقر ، باتجاه مركز المدينة طلبا لطرف الخبز .. الكلبان الآن يفترسان فتات الخبز على الأرض في شخير مبالغ ، لتنبيه الكلاب الخمسة في الخلفية القريبة وردعهم عن كل تفكير في الاقتراب والمضايقة .

فهم الرسالة :
تفهم الكلاب الرسالة : ترقد على الأرض تتفرج وتنتظر، الكلبان يأكلان الخبز المفتت بشراهة ويشخران بجنون ، ويلتفتان كل دقيقة صوب الكلاب الخمسة الهزيلة ليجددان التحذير بمنع الاقتراب بهما ، الكلب الذكر يريد الانصراف ولكنه يفكر في مصير الخبز ، ينظر إلى الكلاب الراقدة قربه .

وقد اصطنعت لامبالاة زائفة ثم ينظر إلى الخبز المتبقي على الأرض ، يتروى قليلا ثم ينحني ، يأكل مع الكلبة الأنثى بتأن ، يرفع رأسه ليبتلع ما بين فكيه ، يبتلع الخبز بصعوبة ظاهرة من خلال حركات عينيه الجاحظتين من فرط التكلف ، ينظر إلى الكلاب الخمسة وراءه ، يكشر عن أنيابه ، يزمجر .

مكر ودهاء :
الكلاب أوفياء لدور اللامبالي ، الذي رسموه لأنفسهم : مستلقون على بطونهم ، يتنفسون بهدوء وهم يرمشون ، يعود الكلب للأكل ، القطعة الأخيرة من الخبز استعصت على الهضم ، لكنه واصل المحاولة تلو المحاولة حتى إنهار أرضًا ، وبدأ يسعل ويشخر ويركل الأرض حوله في محاولة لدفع قطعة الخبز اليابس الذي تخنقه إلى داخل معدته ، يسعل ويشخر ويركل ويدور على الأرض كعقارب ساعة مجنونة ، يركل ويدور، الأرض تحته صارت أنظف ، تحت النفخ والسعال والشخير والركل والتمرغ .

الكلاب :
في الخلفية القريبة ، الكلاب الخمسة ، دائمًا راقدون في إقليمهم الآمن ، غير آبهين بالكلب المحتضر ، يتفرجون فقط على الكلبة الأنثى وهي تأكل وتزمجر ، وتلتفت إليهم بين الفنية والأخرى ، غير واثقة من لامبالاتهم ، يطالها التعب والتخمة ، تستريح أمام الخبز ، التي يركلها قربها الكلب المحتضر ، تشم القطع المتبقية قطعة قطعة ، تقف ثم تجمع منها ما استطاعت جمعه بين فكيها ، تلتفت إلى الكلاب الخمسة : الكلاب في أماكنها تنظر وترمش بلا اكتراث متقن ، تزمجر زمجرة تحول دون قوتها كثرة الخبز بين فكيها .

ابتعاد :
الذباب يفترسها ، تحاول نفض أذنيها فتسقط الخبز من فكيها ، تنحني لجمعها كلها في فمها ، تجمعها وتبتعد متباطئة تحت ثقل الخبز في أمعائها ، وبين فكيها ، تبتعد ملتفتة بين الفنية والأخرى ، صوب باقي الكلاب وباقي قطع الخبز المفتتة على الأرض ، تنعطف ويغيب أثرها لبرهة من الزمن .

هجوم :
تقف الكلاب الخمسة ، فجأة يتروون في وقوفهم ، يتقدمون بحذر بالغ نحو قطع الخبز قرب جثة الكلب الميت ، ينظرون وراءهم إلى المنعطف حيث اختفت الكلبة ، ينقضون على الفتات ، يفترسونه وهم يلتفتون دوريا إلى الوراء درء للمفاجأة والعقاب ، يفترسون الفتات بأضراسهم ويروحون عن خوفهم بأذيالهم .

النهاية :
أخيرا ، تظهر الكلبة مسرعة ، ثدياها تتأجحان بين أرجلها وتلامسان نتوءات الأرض ، ينتبه الكلاب الخمسة لحضورها يثبون ، يغادرون المكان ، يفرون بجنون دون التفاتة إلى الخلف ، تقترب الكلبة من مكان الخبز : لا شيء ، تنظر إلى الكلاب المغيرة ، وقد صارت خمس نقط في البعيد ، لازالت تركض وترسم في جريها مستقيمات متوازية ومتقاطعة ومتعامدة ، ولكنها لا تتوقف عن الجري ، بعد امتلاء مختلس ونجاة صعبة من أنياب كلاب تؤثر الموت من التخمة ، على اقتسام الفتات .

By Lars