لا يمكن لقارئ التاريخ أو المهتم بالموروث الشعبي القديم ألا يكون قد سمع عن الزير سالم ، ذلك الفارس الأسطوري الذي امتزج شعره بسيفه وحربه بكلامه ، أول من ثأر ودام ثأره أربعون سنة ، إنه المهلهل عدي بن ربيعة بن الحارث بن تغلب أحد الشعراء العرب الذين ذاع صيتهم في الجاهلية ، واستمد الرواة وكتاب الأفلام والمسلسلات قصصهم من مسيرته وحياته .

كنيته :
لقب بالمهلهل لأنه كان يلبس ثيابًا واسعة مهلهلة ، وقيل لأنه هلهل الشعر أي أرقه ، وكان يكنى بأبي ليلى لرؤية رآها في منامه وهو صغير ، حيث رأى أنه ينجب فتاة اسمها ليلي تتزوج من رجل له شأن كبير ، وبالفعل سمى ابنته ليلى وزوجها بكلثوم بن مالك الذي أنجبت منه الشاعر الكبير عمر بن كلثوم .

أما عن لقب الزير فأطلقه عليه أخوه كليب لأنه كان يكثر من مجالسة النساء في شبابه ويعربد في أوكار المجون والخمور ، فسماه بالزير ويقصد بذلك زير النساء .

ما قبل القصة :
قبل أن تبدأ قصة الزير سالم بدأت قصة أخرى لكليب بن ربيعة بن الحارس أخي الزير سالم ، الذي كان يحب ابنة عمه الجليلة بنت مرة وكانت شاعرة مفوهة على قدر كبير من الجمال ، ولكن أرسل الملك التبع اليماني في طلبها وهدد قومها إن رفضوا ليفتح عليهم أبواب الحرب والكرب .

فوافق أبيها تحت ضغط وقيل اشترى التبع موافقته بالثراء والمال ، ولما استعد موكب العروس للذهاب اختبأ كليب ومعه أخيه الزير والجساس بن مرة في متاع العروس ، ولما وصلوا إلى قصر التبع خرجوا من مكامنهم ، وأجهز كليب على التبع اليماني حتى أرداه قتيلاً ، وعاد بالجليلة إلى قومه وتزوجها وصار فيهم ملكًا .

وكان  كليب ذا سطوة لا تحتمل فمنع الجوار وإضرام النار والصيد في الصحراء والفلاة ، فضاقت به بنو بكر ذرعًا وزاد الأمر سوءًا حين دخل كليب على زوجته وسألها من أعز وائل ؟ فقالت له أخواي همام وجساس ، فدبت الغيرة في قلب كليب ومضى خارجًا فرأى فصيل ناقة ترعى بين إبله أنكرها على جساس ورماها بسهم قتلها .

وقال : أوقد بلغ من أمر ابن السعدية أن يجيء عليّ بغير إذني ارم ضرعها يا غلام ؛ فاختلط لبنها بدمها ، وكانت الناقة للبسوس خالة جساس بن مرة والتي رفضت عرض كليب بتعويضها عن الناقة بمائة ناقة أخرى وأصرت على الثأر ، فأخذت توغل صدر جساس بالأحقاد والضغائن كي ينتقم من كليب ويعيد مجد بنو بكر الذي أضاعه كليب التغلبي .

وانتظر الجساس الفرصة لانتقام من كليب ، وذلك حينما خرجت نسوة بني بكر لموارد المياة فمنعهن كليب عنها وقال أنها لبنو تغلب فعاتبه جساس على ما يفعله وذكره بناقة خالته وما فعله بها فأغلظ له في القول ، فانقض عليه جساس وقتله ويقال أنه حينما كان يعني من سكرات الموت طلب منه شربة ماء ولكن الجساس رفض ، فطلب ذات الطلب من عمرو بن الحارث الذي مر به وهو يموت لكنه أجهز عليه .

قصة الزير سالم :
هنا تبدأ أحداث قصة الزير سالم ذلك العابث اللاهي في أحضان النساء ، فيقال أنه بعد مقتل كليب حرم عدي بن ربيعة على نفسه كل متعة حتى ينتقم لأخيه ، وبقى زمانًا طويلًا وهو يبكيه وبالقصائد الطوال يذكره ويرثيه ، وأخذ يتوعد البكريين جميعًا .

فاجتمع قومه وأرادوا أن يصلحوا بينه وبين أبناء عمومته حتى لا يفتح للدم بابًا يصعب أن يوصد ، انطلق رهط منهم حتى أتوا مرة وخيروه بين ثلاث إما أن يسلمهم جساس فيقتلوه ، أو يدفع لهم همام فيكون ندًا لكليب ، أو يمكنهم من نفسه فأبى الثلاث ووعدهم بألف ناقة فدية عن كليب ، فعادوا إلى عدي بن المهلهل غاضبين ومن هنا بدأت الحرب .

واستمرت هذه الحرب بين قبيلتي بكر وتغلب وضاعت فيها الكثير من الأرواح التي لم يكن لهم فيها ناقة ولا جمل ، وسميت حرب البسوس بهذا الاسم نسبة لناقة البسوس التي قتلت فجرت في ذيلها كل هذا الدمار واستطاع فيها المهلهل قتل جساس وأخيه همام بن مرة .

نهاية القصة :
هناك رواية أوردها صاحب الخزانة في مقتل المهلهل ، وهي أنه لما أسن المهلهل وخرف جعل له قومه عبدين يخدمانه ، وأثناء سفرهما معه ذات يوم مل العبدان من خدمته وعزما على قتله ، ولكنه كتب على قتب رحله قبل موته بيت يقول فيه :

من مبلغ الحيين أن مهلهلاً … لله دركما ودر أبيكما

فعاد العبدين إلى الحي وقالا أنه مات ولكن حينما قرأت ابنته ما كتب على القتب قالت إنما مهلهلا أراد بهذا الشعر أن يقول :

من مبلغ الحيين أن مهلهلاً … أمسى قتيلا في الفلاة مجندلًا
لله دركما ودر أبيكما … لا يبرح العبدان حتى يقتلًا

وبعدها ضُربا العبدان حتى اعترفا بقتله ، ونالا جزائهما وهكذا انتهت قصة البطل المغوار الذي أفنى عمره كله في الثأر في حرب دامت أربعون سنة نسى فيها جميع الملذات وفقد كل قريب وبعيد من أجل أن يثأر لأخيه .

By Lars