في عام 1703م ولدت الممثلة الفرنسية إيبوليت لاكلايرون ، كإبنة غير شرعية لأحد ضباط الجيش ، وأم بائعة هوى كانت مضطرة لتلك المهنة ، من أجل لقمة العيش لذلك نشأت إيبوليت ، في الفقر المدقع وأصبحت قاسية القلب ، حيث عانت بشدة من شظف العيش ومرارة الفقر .
منذ أن بلغت إيبوليت الثالثة عشرة من عمرها ، حتى قدمت جسدها لمدير فرقة مسرحية ، ولم تجد غضاضة في ذلك فقد كانت أحلامها كبيرة ، ولم يكن بداخل إيبوليت رغبة في التخلي عنها قط ، ولطالما حلمت بأن تصير ممثلة شهيرة للغاية ، وقد تحقق لها ذلك وأكثر ، حيث صار الملوك والنبلاء الفرنسيين من عشاقها ، يرتمون تحت قدميها مدلّهون بحبها الجم ، ولكنها لم تكن تلتفت إليهم ورأت في كلامهم المعسول ، إعاقة لها عن حلمها بأن تصير شيئًا ، عازمة على إغلاق وطي صفحة ماضيها الوضيع .
وقبيل وفاتها قامت إيبوليت بكتابة رحلتها ، وحياتها في كتاب تم نشره ومنعه في اليوم الثاني ، من تداوله بالأسواق حيث ذكرت كافة عشاقها ، من نبلاء فرنسا وكيف كانت تلتقيهم وذكرتهم بالاسم ، حتى أن أحد النبلاء قد اشترى وحده ألف نسخة ، خشية أن تعلم والدته بخيانة والده لها مع إيبوليت ! ولكن تم نشر تلك المذكرات ، مرة أخرى ووضع الناشرون قصصًا أكثر من ذي ، بل وصل الأمر حد التهديد لأسر هؤلاء النبلاء .
ومن بين هؤلاء الأثرياء ، ظهر الشاب سيمون ، هذا الشاب الفقير الذي خطفته إيبوليت بنظراتها الساحرة ، والغريب أنها أيضًا قد مالت إليه ، فقد كان هو الأقرب لقلبها الذي لم يعرف الحب قط ، ولكنه لم يبدو ثريًا مثل من يحيطون بها ، وعقب أن سألت بشأنه علمت أنه فقير ، فتعجبت لم يكذب ليبدو أشبه بالأثرياء .
كانت إيبوليت تتمنى لو قابلت رجلاً صادقًا ، يخبرها أنه فقير مثلها ووضيع مثلها ، ويختطفها بعيدًا عن كل تلك الحياة الزائفة ، ولكن حتى سيمون لم يبلغها ذلك ، فقامت بإبعاده عنها ولكن الشاب كان متعلق بها بالفعل ، فحملته الأيادي لتلقيه بعيدًا عن طريقها ، ولكن ماذا عن قلبه الذي لم يحب سواها ؟
بعد ذلك أخذ سيمون في إرسال خطابات لها ، وكانت هي تتجاهلها أولاً بأول ، فهي تعلم أنه يحبها ولا يستطيع الاستغناء عنها ، وفي إحدى الليالي قررت أن تقرأ أحد خطاباته ، وبالفعل وجدت ما توقعته ، سيل من الكلمات الملتهبة ورسالة تتحدث عن الانتحار ، حتى يتخلص سيمون من حبها .
وفي إحدى الليالي كانت إيبلويت ساهرة برفقة أصدقائها ، يتسامرون ويلهون وجاءتها عجوز ، برسالة من سيمون لها تأثرت بها كثيرًا ، حيث طلب منها الحضور لرؤيتها قبل وفاته ، وقد همت بترك ضيوفها والذهاب إليه ، ولكنهم منعوها وأخبروها أنه يدعي الموت ، حتى يراها وبالإلحاح اقتنعت برأيهم واعتذرت من العجوز .
بحلول منتصف الليل سمع الجميع ، صرخة قوية هزت أرجاء المنزل ، مما أصابهم جميعًا بالهلع ، واندفع البعض منهم يحملون المشاعل ويبحثون في كل مكان ، عن مصدر تلك الصرخة المرعبة ولكنهم لم يصلوا إلى شيء يذكر .
خشيت إيبلويت أن تبيت وحدها في المنزل ، بعد أن سمعت تلك الصرخة المرعبة ، وطلبت من بعض الأصدقاء المبيت لديها ، وظلت هي راقدة فوق فراشها في حين نام الباقون على الأرض حولها .
في الصباح الباكر جاءت العجوز مرة أخرى ، وأخبرت إيبوليت أن سيمون قد توفى بالأمس ، وهو يصرخ من شدة الألم ، فشعرت إيبوليت بالشفقة والخجل ، ثم تناست الأمر سريعًا بعد ذلك .
في الليلة التالية وبحلول الحادية عشرة مساء ، سمع الجميع نفس الصرخة المرعبة ، وهنا قرروا المبيت برفقة إيبلويت دون دعوة منها ، وعقب أن دوت الصرخة خرجوا يفتشون المكان ، ولم يجدوا أحدًا مرة أخرى .
في اليوم الثالث تكرر ما حدث وكانوا جميعًا ، قد تجهزوا قبل الساعة الحادية عشرة ، للبحث عن مصدر الصرخة ، ولكن دون جدوى ، والليلة الرابعة كان برفقتهم رجال الشرطة الذين سمعوا الصرخة بكل وضوح ، ولكنهم لم يعثروا على أي شخص .
هنا تذكر إيبلويت سيمون المسكين الذي مات ، وتذكرت كلمات العجوز وهنا قررت أن تطيل السهر بالمسرح قليلاً ، وعقب خروجها لحقها أحد معجبيها ، ووقف يحدثها ثم همّ بتقبيل خدها ، ليشعرا سويًا بأن هناك سيفًا ثلجيًا يقطع الطريق بين شفتيه وخدها ، وسقط الرجل أرضًا ثم نهض صارخًا من الرعب ، خاصة من انطلاق الصرخة المرعبة ، في نفس الوقت ، ومرت الأيام وتمت دعوة الفرقة التي تمثل برفقتها إيبوليت ، لتقديم عروضًا بقصر الفرساي احتفالاً ، بزواج ولي العهد .
تم تخصيص غرفًا لأعضاء الفرقة ، وكانت إيبلويت تبيت برفقة واحدة من الأعضاء ، وفي الليل وقبل النوم ، داعبت إيبلويت رفيقتها وقالت أنها ترغب في سماع أي صوت ، في تلك الليلة الصامتة وما لبثت أن انطلقت الصرخة المفزعة ، ونهض كل من بالقصر حتى الملك نفسه ، ولكن أخبره الحرس أنه جنديًا سكيرًا يقف أسفل النافذة ، فأمر الملك باعتقاله .
في الأيام التالية بدأت الأصوات تتغير ، وظلت إيبلويت تسمع صوت طلقًا ناريًا ، يضرب نافذة غرفتها وبالبحث يتبين أن الزجاج سليمًا ، وظلت إيبلويت على تلك الحال لثلاثة أشهر وتم تحرير محضرًا بقسم الشرطة في باريس ، بتلك الواقعة .
عقب مرور عدة أيام ، جاءتها العجوز وأخبرتها أن سيمون كان يعشقها ، ولكن ظروف مرض والدته جعلته غير قادرة على ملاحقة إيبلوليت ، خاصة وأنه قد أصابه المرض عقب أن حطمه رجالها ، وصار طريح الفراش .
حاولت العجوز أن تدفعها للذهاب إليه ولقائه قبيل وفاته ، ولكنها رفضت واعتذرت فعادت إليه العجوز دون أن تخبره ولكنه فهم وأدرك ، كان يرغب فقط في إلقاء نظرة أخيرة عليها ، قبل أن يرحل عن هذا العالم ، ولكنها رفضت فما كان منه سوى البكاء ، وحاول سيمون أن ينهض من فراشه ويذهب إليها ليراها فقط ، ولكنه سقط أرضًا فقد كان يحتضر ، وقبيل وفاته صرخ بشدة صرخة تقطع نياط القلوب .
هنا سألتها إيبوليت عن الصرخة وأنها تسمعها دومًا ، فأخبرتها العجوز سوف تسمعينها لألف يوم ، نعم ألف يوم كما تعذب في حبها ، سوف تسمع صرخته تلك ، وبالفعل عقب مرور ألف يوم اختفت الصرخة واختفت العجوز نهائيًا .