كم من أنفس وأرواح ظُلمت ، وحُبست بل وقُتلت أيضًا جرّاء وقوع الظلم عليها ، والظلم أمر بشع تضيق به النفس ، فكم من شخص عوقب على شيء وجرم لم يرتكبه ، ولعل ما يعيد للمظلوم حقه هو أن تتم تبرئته ، من جرم انتسب إليه بغير وجه حق ، ولكن ماذا إن لم يسترد المظلوم حقه ؟ هل يمكن لمن قُتل ظلمًا أن تهدأ روحه ، وتنعم بالسلام مثلها مثل غيرها ؟

بالعودة إلى نهايات القرن التاسع عشر ، حيث سادت الخرافات والشائعات في هذا الوقت ، وانتشرت في تلك الفترة حملات مسعورة لحرق النساء ، بدعوى ممارستهن للسحر ، فكان يتم تعذيبهن أولاً ، ثم يتم الإلقاء بهن إلى المقصلة لمواجهة عقوبة الإعدام ، أو تنفيذ هذا الحكم البائس عليهن بالشنق ، تلك الحملات التي راحت ضحيتها آلاف النساء اللاتي قُتلن ظلمًا .

وعلى نفس الخطى التي تم تنفيذها في أوروبا ، بشأن الساحرات وإعدامهن أخذ السير باك مؤسس مدينة باكسبورت ، على عاتقه تقليد ما حدث في أوروبا والتخلص من النساء اللاتي يمارسن السحر ، بدعوى تنظيف مدينته منهن ، فقام بإعدام الكثير من النساء بدافع تلك الحجة ، وكانت الساحرة لا يخرج وصفها عن عجوز شمطاء دميمة الملامح ، لها تصرفات خرقاء وغريبة الأطوار ، وكان ذلك كفيلاً بإعدام الأبرياء داخل مدينته .

بالطبع هذا الوصف تسبب في مقتل ، أولى الضحايا في مدينة باكسبورت ، وكانت سيدة عجوز تعيش وحدها في منزل ناء عن الجميع ، بعد أن مات عنها زوجها ، وظلت في منزلها معتزلة الناس جميعًا ، حتى تلحق بزوجها الراحل .

ولكن تلك المواصفات جعلتها أولى المشتبه بهم ، وألقى الكولونيل باك القبض عليها ، وقد حاولت العجوز المسنة أن تنفي عن نفسها ، هذا الاتهام الظالم والباطل دون جدوى ، ولكن الكولونيل أصر على إعدامها ، ولم يهتم لتوسلاتها واستعطافه ، وتم إعدام العجوز المسكينة ، ولحقت بها الكثيرات من السيدات اللاتي اتهمن زورًا ، وتكفل الزمن بإسدال الستائر على تلك الجرائم المروعة والبشعة .

ولكن هل نسى الكولونيل ما حدث ؟ بالطبع لا ، فقد ظلت العجوز وقصتها معه ، تؤرق مضجعه كل ليلة ، حيث كان يصحو في منتصف الليل مفزوعًا ويتصبب عرقًا لاهثًا ، وما أن يجتمع حوله أفراد أسرته وخدمه ، حتى يردد أنها قد أتته ، وطوقت عنقه بيديها في محاولة منها لخنقه ، ليبدأ في التوسل إليها بأن تتركه ، لتضحك ساخرة أنها لن تقتله هكذا ، ولكنها تنتظره أن يأتيها حيث ذهبت وفاضت روحها ، ثم يدخل في نوبة من البكاء الهستيري ، ويظل مستيقظًا حتى صباح اليوم التالي .

ظل الكولونيل باك على هذه الحال ، وكان قبيل وفاته قد أوصى بأن يتم دفنه في مقبرة ، بيضاء شديدة البياض لا تشوبه شائبة ، وبالطبع توفر له ذلك فهو مؤسس المدينة ، ومن أثريائها .

بذل الأحفاد والأبناء جهدهم الجهيد لتنفيذ وصية الكولونيل بعد وفاته ، وقد تم له ذلك ثم بنوا شاهد لقبر بنفس الطريقة بالأحجار البيضاء ، ولكن المثير للدهشة هو ما لاحظه حارس المقبرة ، عقب مرور بضعة أسابيع من دفنه .

حيث لاحظ ظهور رسمه لقدم شخص مشنوق ، على مقبرة الكولونيل فذهب فورًا إلى أسرته ، ومن ثم إلى قس الكنيسة الذي ما أن رأى تلك القدم ، حتى استدعى نحات الأحجار لإزالتها ، ولكن ما لبثت أن ظهرت محفورة بشكل غائر على الشاهد ، في تحدٍ واضح للجميع ، وتذكير لهم بما فعل الكولونيل للعجوز المسنة .

ومع انتشار الخبر بين سكان المدينة بأكملها ، قام الورثة باستدعاء النحات وطلبوا منه تغيير الحجارة بأخرى جديدة ، ولكن ما لبثت الحجارة سوى قليل ، حتى عادت القدم مرتسمة مرة أخرى فوق المقبرة ، في تحدٍ جديد لهم ، ومن ثم رضخ الجميع للأمر الواقع ، وعلموا بأن العجوز البريئة قد نالت ما أرادت ، ولن تذهب قط ومازالت المقبرة موجودة ، حتى وقتنا هذا وتحمل رسمه القدم أعلى الشاهد .

شارك القصة:

By Lars