بعد قهر الإسكندر الأكبر للعديد من الممالك ، كان يعود إلى ديارهم في طريق عودته إلى موطنه ، وفي إحدى هذه المرات سقط الإسكندر صريعًا للمرض ، واقتربت حياته على النهاية ، حتى أنه كان يتوق في تلك الأثناء إلى لقاء والدته ورؤيتها قبل أن يموت ، لكنه كان يعلم أن مرضه لن يمهله الوقت الكافي ، ولم يعد يملك شيئًا في هذه الدنيا إلا أن يبقى منتظرًا على سرير المرض دون حول منه ولا قوة حتى يأتيه أمر الله .

لذا جمع الإسكندر كل جنرالاته وقال لهم : عندي ثلاث رغبات يرجى تنفيذها دون أي تقصير بعد أن أموت ، وصيتي الأولى : ألا يحمل نعشي عند السير للمدفن سوى أطبائي ، ولا أحد غيرهم ، والوصية الثانية : أن يعبأ الطريق المؤدي إلى المقبرة بكل قطع الذهب والفضة والأحجار الكريمة التي عشت أجمع فيها طيلة حياتي .

أما وصيتي الأخيرة : فحين ترفعوني على النعش أبقوا يداي خارج الكفن ، واجعلوهما معلقتان للخارج وهما مفتوحتان ، وبعد أن فرغ الملك من قول رغباته ، استمع له الجنرالات ورغم تعجبهم الشديد من هذه الوصايا الغريبة ، ولكن لم يجرؤ أحد منهم على التشكيك في قبولها .

وبعد ذلك اقترب قائد الجنرالات من الملك ، وقبل يده ثم ضمهما إلى صدره ، وقال له أمر مولاي تأكد أن وصيتك ستكون قيد التنفيذ دون إخلال ، ولكن من فضلك هلا أخبرتنا عن سر هذه الوصايا الغريبة والمغزى من وراءها ؟

أخذ الملك نفساً عميقاً وقال : أود أن أعطي للعالم درساً كبيرًا لم أتعلمه إلا الآن ، فوصيتي الأولى أردت بها أن يعرف الناس أن الموت إن حضر لا يردعه أحد ، حتى لو كان أعظم الأطباء الذين نهرع إليهم عند المصاب ، وأن الصحة كنز يجب الحفاظ عليه .

أما وصيتي الثانية فأردت بها أن يعلم الناس ، أن كل وقت ضاع في جمع المال أو أذى الآخرين ضاع سدى ، وأننا حين ندخل القبور لن نأخذ معنا حتى الفتات ، فكل ما جمعناه باقِ ونحن زائلون ، لن يبقى معنا سوى العمل الطيب ودعاء الناس فقط .

وأمّا عن وصيتي الثالثة فقد أمرت بها ، ليعلم الناس أننا أتينا إلى هذه الدنيا بيد فارغة ، وسنخرج منها أيضًا كما دخلناها فارغين اليدين ، وكانت أخر كلمات الإسكندر المقدوني قبل مماته : حينما تدفنوا جسدي لا تبنوا فوقي نصب ، وأبقوا يدي فارغة للخارج ، حتى يعلم الجميع أن الملك الذي جمع العالم بين يديه ، يرقد الآن ويديه فارغتين .

By Lars