التراث هو ذاكرة الشعوب ، وقد يحمل قيمًا أو عظة ، وقد يحمل معه مأساة يخلدها التاريخ ، بين آلاف القصص التي حدثت مثلها تمامًا ، ولعل قصة عازف المزمار هي أشهر قصص التاريخ الألماني ، التي تناقلتها الأجيال بين الحقيقة والخيال .
قصة العازف :
في مدينة هاملن الألمانية في قديم الزمان ، كانت تلك المدينة الهادئة قد استيقظت في أحد الأيام ، على الكثير من الجرذان التي ملأت أرجاء المدينة ، مما تسبب في انزعاج أهلها بشدة ، ودفعه العديد منهم للمغادرة بالفعل .
ولما ضاق السكان ذرعًا بما يحدث أبلغوا رئيس بلديتهم ، الذي قام في محاولة أخيرة منه بعمل مكافأة وتخصيصها لمن يأتي بطريقة ، تساعد على التخلص من الجرذان وكانت الجائزة قدرها ألف قطعة ذهبية .
ظل الأمر كما هو حتى ظهر شخص ، يرتدي زي مهرج ومعه مزمار ، بدأ الرجل في العزف على المزمار ، حتى سخر منه لجميع ، ولكن ولدهشتهم بدأت الجرذان تذهب إليه حيث يقف ، وتجمعت حوله ، فقادها الرجل بمزماره وهو مستمر بالعزف نحو البحر ، الذي تطل عليه المدينة ، وقاد الجرذان لإلقاء نفسها في البحر لتموت بالآلاف وعن بكرة أبيها .
عقب أن تم المراد وتخلصت المدينة من الجرذان المهاجمة ، طالب الرجل العازف بمكافأته التي وُعد بها ، ولكن لم يتلق شيئًا بل سخر منه السكان ، وقاموا بتوبيخه بل وحبسه أيضًا بتهمة ممارسة أعمال الشعوذة والسحر .
خرج الرجل من سجنه غاضبًا وعاد بعد فترة ، ليعزف ألحان مزماره في ليلة عيد الكريسماس ، والمحدث هو أن كافة الرجال والنساء في المدينة كانوا مجتمعين جميعًا بالكنيسة ، وبمجرد أن عزف الرجل على مزاميره حتى انجذب إليه في هذه المرة أطفال المدينة جميعهم !
بالطبع لم يأخذهم ليلقوا حتفهم في مياه النهر ، وإنما اجتمع حول الرجل أطفال المدينة كلهم لا يلوون على شيء ، وساروا خلفه حتى دخلوا جميعًا إلى جبل ، ولم يخرجوا منها أبدًا هم والرجل ، ويقال بأنهم مازالوا أحياء حتى يومنا هذا ، يلعبون ويمرحون في حدائق خضراء وغنّاء ، وكان هذا أقسى عقاب لسكان المدينة الذين رفضوا أن يفوا بوعودهم ، ففقدوا أطفالهم للأبد .
القصة الحقيقية :
ما بين الواقع والخيال تقع تلك الرواية بشأن هذا العازف ، ففي مدينة هاملن الألمانية يقبع منزلاً ضخمًا في وسط المدينة ، ولكن من المثير أن عازف المزمار لم يعش فيه قط ، وإنما يوجد عليه حجارة سوداء اللون ، كتب عليها بأن في هذه المدينة في حوالى القرن الثالث الميلادي ، خرج مائة وثلاثون طفلاً ، اقتادهم عازف المزمار إلى خارج المدينة ، وعقب أن عبروا معه الجبال اختفوا تمامًا ولم يعودوا.
كما يوجد شارع بالمدينة أيضًا يعرف باسم شارع عازف المزمار ، وهو الشارع الذي شوهد فيه الأطفال المفقودون قبل اختفائهم وأنهم كانوا قد مروا به ، وحتى يومنا هذا لا يتم عزف أي نوع من أنواع الموسيقى في هذا الشارع ، حتى كافة الأعراس والجوقات الموسيقية تتوقف تمامًا عن العزف ، أثناء مرورها من هذا الشاعر ، احترامًا لذكرى من تم فقدهم .
تباينت الروايات بشأن هؤلاء الأطفال ، حيث توجد رسمة على إحدى النوافذ الزجاجية بإحدى الكنائس في مدينة هاملن ، والتي تصور عازف المزمار وخلفه يسير العديد من الأطفال ، وذلك تخليدًا لذكرى مرور مائة عام ، على تلك الأحداث التي تكاثرت بشأنها الشواهد التاريخية وليس محدد تمامًا القصة الحقيقية حولها .