هيتي جرين ليست مثل ساحرات العصور الوسطى ، تطير على مقشة وترتدي قبعة على هيئة مثلث وهكذا ، وإنما كانت صُنفت كأغنى سيدة على وجه الأرض ، حيث كان لها دورًا بارزًا في الارتقاء بالاقتصاد في فترة القرنين التاسع عشر والعشرين المنصرمين .
حيث نجحت كسيدة أعمال واستطاعت من خلال نشاطاتها التجارية والاقتصادية العديدة في مجالات العقارات والسكك الحديدية ، وغيرها من خلال إدارتها المتميزة لكل منها ، من إنقاذ مدينة نيويورك كاملة أثناء سقوطها في فترة الكساد الاقتصادي .
حيث قدمت مبلغًا ماليًا قيمته واحد ونصف مليون دولارًا لمساعدة نيويورك في الخروج من محنتها الاقتصادية ، مشترطة أن يعود إليها هذا المبلغ مرة أخرى ، مما ساهم في إنقاذ وول ستريت من تلك الكبوة التي عصفت به ، وأصبحت تلك السيدة هي الساحرة التي غيرت هيمنت على الاقتصاد في هذا الوقت .
حياتها:
ولدت هيتي في ولاية ماساتشوستس الأمريكية عام 1834م ، وكان والدها رجل أعمال ثري للغاية ، وهي الإبنة الوحيدة له وتم إرسالها للعيش مع جدها ، وهي في عمر العامين فقط نظرًا لمرض ألم بوالدتها ، وفي بيت جدها تعلمت أن تقرأ الصفحات الاقتصادية بالصحف المحلية والعالمية .
خاصة عندما بلغت ستة أعوام ، وكانت تلك هي بداية تعرفها على مجتمع المال والأعمال ، وتم تعيينها محاسبة مالية لثروة عائلتها الثرية وهي بعمر الثانية عشرة ، ثم أرسلت للدراسة بإحدى مدارس بوسطن بعمر الخامسة عشرة .
عقب وفاة والدها كانت هيتي هي الوريثة الوحيدة له ، وورثت عنه ما يعادل 107 مليون دولار ، قامت باستثمارها في هذا الوقت إبان فترة الحرب الأهلية ، على هيئة سندات قدمتها للحكومة الأمريكية بفوائد مالية ، وعندما بلغت ثلاثة وثلاثين عامًا تزوجت هيتي من تاجر حرير ثري يدعى هنري جرين ، وأنجبت منه طفلين .
كانت هيتي امرأة شحيحة للغاية وجشعة جدًا تجاه المال ، فهي لم تمتلك مكتبًا أو شركة لإدارة ممتلكاتها بشكل خاص طوال حياتها ، حيث كانت تعمل موظفة لدى بنك سيبورد الوطني ، بأحد مكاتبه ولم يكن لديها موظفون حتى لا تضطر إلى دفع رواتبهم الباهظة كل شهر!
ولم يتوقف جشعها تجاه المال عند هذا الحد فقط ، بل كانت لديها عمه وحيدة وثرية جدًا وليس لديها أية أبناء ، وكادت أن تجن هيتي عندما علمت بأن عمتها المتوفاة قد أودعت ثروتها المقدرة بمليوني دولار ، للأعمال الخيرية فقط لا غير ، مما أثار جنون هيتي ودفعها لرفع قضية بالمحكمة لإثبات مدى بطلان تلك الوصية ، وأن لديها وصية أخرى قبل تلك توصي فيها عمتها ، بحصول هيتي على كافة ثروة العمة الوحيدة ، وهو ما أقرته المحكمة ومنحت لهيتي تركة عمتها المتوفاة وأبطلت الوصية التالية بمنحها للأعمال الخيرية .
عاشت هيتي في منازل رخيصة الثمن للغاية ، وكانت مائدتها لا تسمن ولا تغني من جوع ، على الرغم من ثروتها الهائلة ، بل أنها قد أمضت في أحد الأيام يومًا طويلاً ، تتجول فيه داخل المدينة طوال اليوم ، بحثًا عن أحد طوابع البريد رخيصة الثمن وقدره سنتان ، حتى لا تضطر لشراء آخر بعدد سنتات أكثر من ذلك .
كما قيل أن طفلها الوحيد عندما تعرض إلى كسر في ساقه ، لم تأخذه إلى أكبر مشفى لعلاجه ، كما يفعل الآباء أو الأمهات عندما يتعرض أحد الأبناء إلى مكروه ما ، بل اصطحبت طفلها إلى المشفى المجاني للفقراء ، من أجل توفير نفقات علاجه ، ولكن يبدو أن نتيجة فعلتها جاءت بشكل عكسي ، حيث ألمت بساقه غرغرينا عقب فترة من علاجه الخاطئ ، مما اضطر الأطباء إلى بتر ساق الصغير .
وقد ورث ابنها هذا عنها نصف ثروتها ، وبرع مثل والدته في عالم المال والأعمال والتجارة ، ولكنه اختلف عنها في مسألة الإنفاق حيث تميز روبرت بالسخاء والعطاء ، وشيد لنفسه قصرين ضخمين وغاية في الروعة والثراء .
وعن مظهرها الشخصي ، لم تكن خزانة هيتي تحظي بالكثير من الثياب الفخمة أو باهظة الثمن ، بل كانت خزانتها تحتوي على ثوب واحد فقط ، أسود اللون حتى لا يتسخ بسرعة وتضطر إلى غسله ، فكانت تغسل منه الأجزاء المتسخة فقط توفيرًا للمياه والصابون! ولا تترك ثوبها هذا سوى بعد عدة أعوام عندما يبلى تمامًا .
وفي أحد الأيام طلبت خادمة هيتي منها أن تحضر خادمة أخرى لمساعدتها ، ولكنها هيتي رفضت هذا الأمر بشدة حتى لا تُكلف نفسها عناء دفع الراتب ، مما أدى إلى اندلاع شجار حاد بينهما ، أدى إلى إصابة هيتي بسكتة دماغية أرقدتها في الفراش ولم تذهب إلى طبيب لتوفير النفقات ، مما أدى إلى إصابتها بسلسلة من السكتات الدماغية المتتالية أدت إلى وفاتها عن عمر ناهز الواحد وثمانين عامًا في عام 1916م .
وعقب وفاتها وتركها لكل تلك الأموال ، لم ترد هيتي أن يحصل زوجها على سنتًا واحدًا من مالها هذا ، فكانت قد جعلته وقع على عقد أثناء زواجهما يتعقد فيه بأنه متنازلاً عن كافة حقوقه في ثروتها كإرث له ، والتي كانت تقدر بحوالي مائتي مليون دولار .