الأوبرا ليست مجرد رقصات متتابعة لا معنى لها ، وإنما تروي قصصًا عن العشق والدراما وغيرها من الوقائع ، التي تجسد لك في النهاية قصة مثيرة قد تتعلق بها طيلة عمرك .
أوبرا لاترافياتا تحكي قصة فتاة تدعى مارجريت ، وهي فتاة فقيرة وجميلة وتعمل كغانية ، تعرفت مارجريت في أحد الأيام على شاب أرستقراطي يدعى آرمان دوفال ووقعا في غرام بعضهما البعض منذ أول لقاء .
عاش الحبيبان قصة وله وغرام حقيقي ، وهنا ارتأت مارجريت في آرمان الرجل الذي سوف ينتشلها من الحياة الفاسقة ، وحياة اللهو التي تعيشها ، فالحب يطهر الخطايا كما تعتقد هي ، وسوف تمح ماضيها من أجله ، وتعيش بشرف له فقط .
اعتقد العاشقان أن حبهما سوف يجعل الدنيا والعالم بأسره يرضخان لأجلهما ، وسوف يستمرا سويًا إلى الأبد لا يفرقهما قدر ، ولكن بالطبع لم يوافق والد آرمان على تلك القصة ، وغضب بشدة عندما علم بأمر ابنه الذي ارتبط عاطفيًا بغانية ، تعمل في ليالي اللهو والسمر والفسق .
سارع الأب الحكيم إلى لقاء مارجريت ، ولامها على العلاقة التي ربطتها بابنه ، ابن العائلة النبيلة ، وحذرها من الاستمرار في تلك العلاقة التي لن تكتمل ، وأن زيجتهما سوف تؤثر على سمعة العائلة إذا ما ارتبط بغانية مثلها ، وسوف تقضي على زيجة ابنته من رجل نبيل ، وستلحق الدمار بالعائلة ومستقبلهم جميعًا ، إذا ما علم أحد بأمر تلك العلاقة غير المنطقية الآثمة .
عشق مارجريت لحبيبها آرمان كان أقوى من أي شيء ، وأقوى من حلمها بأن تظل تحت جناحه إلى الأبد ، مما دفعها إلى التضحية بالبقاء معه ، واستمعت إلى نصيحة والده الثري وفضلت أن تضحي بقلبها من أجل بقاء تلك العائلة .
قررت مارجريت أن تقطع علاقتها بآرمان ، وقسى قلبها وتمكنت من إقناع آرمان وخداعه بأنها لم تحبه من الأساس ، وأنه لم يكن لديها سوى ثري ترغب في الحصول على أمواله فقط ، فاضطرت أن تلهو به وتقنعه بحبها له ، حتى تقابل من هو أكثر ثراء لأن المال هو غايتها الوحيدة ، وهي الآن بانتظار من هو أفضل منه حتى يصير حبيبها الحقيقي .
تحطم قلب آرمان بشدة ، فهو لم يتوقع أن تغدر به الحبيبة بهذا الشكل المجحف ، فقام بإهانتها وانصرف مكسور القلب ، وهو لا يعلم مدى الألم الذي تشعر به ، جراء ما حدث وتضحيتها من أجله هو وعائلته .
وفي أحد الأيام ، وفي يوم لم يرتب له العاشقان لقاء يجمعهما ، التقيا سويًا في حفل ضخم بباريس ، وما أن رآها آرمان حتى تأجج غضبه واشتعل الألم في نفسه ، فقام يلقي عليها بعض النقود التي ربحها من القمار ، أمام كافة الحضور وأهانها بقوله أن هذا المال مقابلاً لما قضاه معها من أيام رخيصة لا قيمة لها ، وقد قرر أن يدفع مقابل ما قضاه ، بالإضافة إلى أنه لم يفتقدها ولم تعد تعني له شيئًا ، فقد وجد غانية أفضل منها وبادلته الحب الحقيقي مقارنة بما فعلته مارجريت من خداع .
لم تتحمل مارجريت إهانة آرمان لها ، فسقطت للمرض ينهشها بشدة حيث كانت قد أصيبت بالسل ، وما أن شعرت بأن الموت يقترب منها بشدة حتى أرسلت لوصيفتها التي لم تتخل يومًا عنها ، وبعثت لآرمان برسالة معها ، تبلغه فيها أنها لم تشعر بالحب سوى معه ، وأن ما فعلته وقالته في حقه منذ زمن كان من أجله ، وأنها اضطرت للتضحية من أجله هو وعائلته .
وما أن تلقى آرمان رسالتها حتى اندفع صوبها ويلقي نفسه في أحضانها ، ويعترف بأن حبه لها مازال كما هو لم تغيره الأيام ، وهكذا فارقت مارجريت الحياة وهي في أحضان حبيبها الوحيد آرمان .
ألف الكاتب ألكسندر دوما قصة حب مراجريت وأرمان وهو في عامه الثالث والعشرون عام 1848م ، وتحول هذا العمل فيما بعد إلى رواية حملت اسم غادة الكاميليا ، التي انتقلت بدورها فيما بعد لتصير عرضًا مسرحيًا ، وأفلامًا عدة حملت نفس الاسم .
إلى أن أصبحت عرضًا بالأوبرا حمل اسم لاترافياتا أي الشخص الضائع ؛ نسبة إلى بطلة القصة ، التي مسّت أغلب شعوب دول العالم ، حيث شهد العالم تحولات اجتماعية عدة فضحت سمات الطبقة العليا ورؤيتها للطبقات الأدنى بالمجتمع ، حيث سيطرت الأنانية وبرزت أمام تضحيات الفقراء في الطفرة التي كتب فيها المؤلف تلك القصة ، ولهذا كانت غادة الكاميليا انعكاسًا لصراع الطبقات في قصص العاشقين .