كان التطعيم أو التلقيح منذ عقد قريب موضع جدال واسع ، فقد رفضت فكرته في بادئ الأمر عندما دخلت إلى بريطانيا قبل ثلاثمائة سنة تقريبًا ، وكان العثمانيون هم أول من عرفوا أساليب التلقيح ويطلقون عليه اسم أشي بمعني التطعيم ، ويرجح أنهم عرفوا التطعيم من القبائل التركية القديمة .

التطعيم هو عملية يعطى الملقح (الشخص الذي يريد التحصين من عدوى معينة) بجرعة ضعيفة خاملة من الميكروب المسبب لمرض ما ، فتعمل على تحفيز هذه المتعضيات بالجهاز المناعي بجسم الإنسان ، ومن ثم تعمل على إنتاج أجسام مضادة للمرض .

أول من اكتشفوا هذه الطريقة كانوا الأتراك ، فقد اكتشفوا أنهم عندما كانوا يلقحون أطفالهم ضد جدري البقر المأخوذ من صدور الأبقار فإنهم لا يصابون به ، قد أدخلت زوجة السفير الإنجليزي السيدة مونتاغيو بين عامي 1716م -1718م تلك النوع من التطعيم إلى إنجلترا ، وخاصة بعدما أطلعت على أساليب العثمانيون في التطعيم ، وقد اهتمت كثيرًا بالتطعيم ضد مرض الجدري ، فقد وافقت على أن جراح السفارة تشارلز مايتلاند يعطي التطعيم لأبنها .

وفي أثناء وجود السيدة في اسطنبول ، قامت بإرسال سلسلة من الرسائل لانجلترا تصف فيها عملية التلقيح بالتفصيل ، وعند عودتها إلى بريطانيا تابعت نشر الأسلوب العثماني في التلقيح ، وقامت بتلقيح عددًا من أقاربها ، ولكنها واجهت معارضة كبيرة ومواجهات عنيقة ضد فكرتها الجديدة ، ولم تكن المعارضة من الكنيسة فقط بل من أوساط طبية عديدة ، ولكن فضل ثباتها وعنادها قامت بنشر فكرة التطعيم على نطاق واسع وحققت نجاحًا كبيرًا .

ودخل الابتكار الهائل إلى انجلترا حين سلم الدكتور إيمانيول تيموني طيب العائلة الوصفة إلى الجمعية الملكية وكان ذلك عام 1724م ، ثم انتقل التطعيم إلى فرنسا من قبل إدوارد جينز ، حيث يعتقد أن أدوارد عندما رأي الصبي جيمس فيبس ذو الثمانية أعوام أعطاه التطعيم لأنه كان مصابًا بجدري البقر .

في عام 1967م أحييت تركيا الذكرى 250 لأول تلقيح ضد الجدري ، ولكن تشير عدد من الوثائق أن دخول التطعيم لإنجلترا كان عن طريق أخر فقبل اكتشاف جينير بستين عامًا ، كتب قاسم الغيدة أغا سفير طرابلس في لندن بحث عن التطعيم ضد مرض الجدري في شمال إفريقيا وكان ذلك سببًا في انتخابه عضوًا وزميلًا في الجمعية الملكية البريطانية عام 1728م ، وكان ثاني عالم عربي يحوز على هذه المنزلة العلمية الرفيعة .

بذلك كان للعلماء المسلمين وخاصة الأتراك الفضل في انتشار التطعيم ودخوله لكل من إنجلترا وفرنسا ثم جميع الدول الأوروبية ، ومن الجدير بالذكر أن التلقيح كان معروفًا في شمال إفريقية بفضل المستشفيات الإسلامية والعلماء المسلمين منذ العصر الأيوبي والمملوكي وقد ساهم ذلك في منع انتشار الأمراض قديمًا بشكل كبير .

By Lars