خلال رحلة قام بها إلى إحدى بلدان الشرق ، اشترى السيد بالومار خفاً من أحد الاسواق ، وعندما عاد إلى بيته جرب أن ينتعله فتبين له أن فردة من الخف أكبر من الفردة الأخرى ، ولهذا فهي تسقط من قدمه ، تذكر البائع العجوز الجالس على عقبيه في عش من أعشاش البازار أمام كومة أخفاف مختلفة القياسات غير مرتبة ، رآه بينما كان ينقب في الكومة ليجد له خفاً مناسباً لقدمه وجعله يقيسه ثم شرع ينقب من جديد وأعطاه الفردة المفترضة التي قبلها بدوره دون أن يجربها !!
تفكير بالومار :
فكر السيد بالومار : ربما هناك الآن رجلاً آخر يسير في ذلك البلد منتعلاً خفاً فردتاه ، غير متجانستين ، ورأى ظلاً رقيقاً يجوب الصحراء عارجاً بفردة حذاء تخرج من قدمه ، مع كل خطوة يخطوها ، أو بفردة ضيقة جداً تسجن له قدمه الملتوية .
ربما هو ايضًا يفكر بي في هذه اللحظة ، ويتمنى أن يلقاني لنتبادل الخف ، إن العلاقة التي تربطنا محسوسة وواضحة أكثر من قسم عظيم من العلاقات ، التي تقوم بين الكائنات الانسانية ، ومع ذلك فاننا لن نلتقي أبداً ..
الخف غير المتجانس:
قرر الاستمرار بانتعال هذا الخف غير المتجانس ، تضامناً مع رفيقه المجهول سيء الحظ ، ليبقي على هذه التكاملية النادرة هكذا حية ، وعلى انعكاس صدى الخطى العرجاء من قارة إلى قارة أخرى.
تأخر بتمثيل هذه الصورة ، لكنه يعلم أنها لا تتطابق مع الحقيقة ، إذ أن جرفاً من الأخفاف المخاطة على مجموعات ، يصل دورياً ليزود كومة البائع العجوز في ذلك البازار ، وفي أسفل تلك الكومة سيبقى دائمًا زوج غير متجانس ، لكن طالما مخزون البائع العجوز لم ينفذ ، وربما لم ينفذ اطلاقاً ، وإذا مات فإن الحانوت بكل بضاعته سيؤول إلى ورثته وإلى ورثة الورثة ، وسيكفي البحث في الكومة حتى نجد دائماً خفاً يجب أن يصبح متجانساً مع خف آخر .
احتمال حدوث خطأ :
ويمكن أن يتحقق خطأ ما مع مشتر ساه مثله هو ، لكن ربما تمر قرون قبل أن تنعكس نتائج هذا الخطأ على أحد مرتادي ذلك البازار العتيق ، إن أي عملية تفكك في نظام العالم لا تنعكس لكن الاثار ستبقي خفية ، وستتأخر بالظهور بفعل غبار الأعداد الضخمة الذي تحويه عملياً إمكانيات لا محدودة لتناظرات وتوافقات ومنجزات قرن جديد.
خيالات بالومار :
لكن ماذا إن لم يسفر خطأه إلا عن إلغاء خطأ سابق ؟ وإذا ما كان شروده رسولاً لا للفوضى وغنما للنظام ؟ ربما أن البائع كان يعلم جيداً بما فعله ، فكر السيد بالومار ، وقد أوجد بإعطائه لي ذلك الخف غير المتجانس ، علاجاً لتنافر كان يختبئ منذ قرون في تلك الكومة من الأخفاف المنتعلة من أجيال إلى أجيال في ذلك البازار .
ربما كان الرفيق المجهول يعرج في زمان آخر ، وأن تناظر خطواتهما ليس فقط من قارة إلى أخرى ، وإنما أيضًا على بعد قرون من الزمن ، وليس من أجل هذا يشعر السيد بالومار بنفسه أقل تضامناً معه ، فهو يستمر بجر قدميه بعناء شديد ليمنح العزاء لخياله .