يذخر وطننا العربي العريق بالعديد من الأساطير القديمة ، التي شكلت ملامح بيئته وثقافته بين الدول ، نمت وتربت أجيال كثر على تلك الأساطير منها ما هو مخيف ، ومنها ما يحمل عظة وعبرة وليس للترويع فقط ، وكما سردنا بعض القصص من أساطير وطننا من قبل نستكمل مسيرتنا مع قصة بغلة القبور من التراث الأمازيغي بدولة المغرب الشقيقة .

الأسطورة :
بغلة القبور هو اسم يطلق على امرأة عاشت في زمن غابر بعيد ، وتعود قصتها إلى أنها كانت زوجة تعيش مع زوجها وحدهما حياة كريمة مستقرة ، لا ينقصهما شيئًا من متع الحياة في الوقت الذي كانا يعيشان به ، وفجأة توفى الزوج وظلت الزوجة الأرملة وحدها ، ترتدي اللباس الأبيض ولا ترى الرجال إلا عقب مرور أربعة أشهر وعشرة أيام ، ولكن تلك الأرملة البائسة ارتكبت إثمًا عظيمًا وهو جريمة الزنا ، وخلال فترة الحداد تلك .

وجزاء لما فعلته تحولت المرأة إلى نصف بغلة ونصف إنسان ، ولكنها أكبر حجمًا منها ، وصارت عيناها حمراوان يتقد منهما النار ، وأطرافها مغلولة بالسلال تسير تجرها خلفها ، وأصبحت أكثر قوة مما سبق .

صارت النصف بغلة تنام مع الموتى نهارًا ثم تخرج ليلاً تتجول بالقبور ، وتهاجم الرجال  ، فقط الرجال هم ضحاياها الذين تعرضوا للقتل أو الدفن أحياء على يديها ، تقول بعض الروايات بشأنها أنها تتخفى في هيئة أحد معارف أهل القبيلة ، ومع حلول الظلام تعود إلى هيأتها البغلة ثم تنقض لتختطف أحد رجال القبيلة ، وتحمله معها إلى القبور وتقووم بتعذيبه والتنكيل برجولته ، انتقامًا من الرجل الذي تسبب في مسخها وخيانتها لزوجها الراحل .

مشاهدات حقيقية :
روى عجوز في فيلم وثائقي عن بغلة القبور ، وظهر هو فيه ليروي قصته ومشاهدته لها ، فقال أنه عندما كان في شبابه في فترة الخمسينات ، كان عائدًا من الغابة ليلاً متجهًا نحو مقر قبيلته ، فمر إلى جوار مقبرة مظلمة ومجهولة بمصباحه اليدوي .

وفي تلك الأثناء سمع أصوات خطوات تقترب منه وتصحبها أصوات سلاسل ، في البداية ظن الرجل أن حيوانًا ما يقتفي أثره ، ولكن سرعان ما سمع صوت صرخة مدوية وكأنها صرخة أنثى تتعذب أو أن هناك من يمزقها حية .

بالطبع أطلق الرجل لساقيه العنان ، وظل يركض عشوائيًا حتى وصل إلى شجرة خروب داخل الغابة فصعد فوقها ممنيًا نفسه بالنجاة ، ولكن تعقبه الحيوان الغريب وظل يحاول اقتلاع شجرة الخروب من جذورها ، والرجل يقبع فوقها ولا يرى سوى عينين مثل فوهة بركان ، ولا يسمع سوى أصوات غريبة يصدرها الحيوان من حين لآخر .

ظل الرجل فوق الشجرة يقرأ ما يتذكر من أذكار ، حتى ارتفع أذان الفجر فجأة ففر المخلوق هاربًا ، وبقي الرجل فوق الشجرة حتى سطوع النهار ، وتفاجأ بوجوده في وسط المقابر بالضبط ، فنزل عنها وذهب لقبيلته ، وعندما قص عليهم ما حدث معه علم أن ما هاجمه هو بغلة القبور ، التي كان يسمع أسطورتها في صغره .

وروت بعض النساء أنهن قد خرجن ذات يوم مع رجالهن وأبنائهن ، مرتحلين بين الوديان ، واستقرت القافلة في أحد الأماكن بالقرب من مقبرة على امتداد البصر ، واستقروا جميعًا ليستريحوا من عناء السفر ، لمواصلة سيرهم في الصباح الباكر .

استيقظت النساء في صباح اليوم التالي ، وهن يصرخن بفزع شديد ، فقد كانت أشلاء وجثث رجالهن وأبنائهن من الذكور قم قُطعت ومزقت إربًا ، وتناثرت بقاياهم على الأرض ، وتم تقطيع أوصالهم وأعضائهم التناسلية بشكل بشع ومقزز ومشهد يشيب لهوله الولدان ، في حين لم تمس النساء بسوء قط .

وإذا ما كانت تلك المشاهدات حقيقية أم لا ، فلابد أن نعلم بأن الثقافة العربية القديمة كانت مختلفة ، في الفكر والمعتقدات ولكن من منا يعلم الحقيقة الكاملة لكل شيء ، أليس من الممكن أن تكون تلك الأسطورة ، حقيقية ؟

By Lars