عندما حكُم على الملك تشارلز الأول بالإعدام ، رفض الجلاد في إنجلترا قطع رأسه ، إذ لم يكن أحد يود أن يسجل التاريخ أنه الجلاد الذي قطع رأس الملك لأول مرة في تاريخ انجلترا ، ولذلك عندما صعد الملك إلى منصة الإعدام في صباح يوم 30 يناير عام 1649م ، جيء له بجلاد يلبس قناعاً على وجهه ويضع لحية زائفة وشعراً مستعاراً .

علانية الحكم :
لم يكن الهدف من المحاكمة ، سماع أقوال الملك ، وإنما لإعلان الحكم عليه بالإعدام ، كان ينبغي موت الملك ، لأن بقاءه حياً سوف يسير القلاقل وربما أشعل الحرب الأهلية ثانية ، لقد كان وجود الملك تشارلز محرجاً لحكام انجلترا الجدد ، ولذا كان لابد له بأن يختفي ، ولكن كيف ؟ هل يتم قتله بالسم ؟ ، لقد توصل كرومويل ومؤيدوه إلى حل آخر تمثل في عقد محاكمة علنية للملك ، وتعلم كل الملوك إلى أنهم عرضة للعقاب إذ هم أساءوا لشعوبهم وظلموا .

المحكمة:
وهكذا سيق الملك إلى قاعة المحكمة ليقف أمام هيئة مكونة من 135 عضواً ، لم يحضر منهم ، بسبب الجبن ، سوى النصف ، لقد كانت المحاكمة أول حدث من نوعه في التاريخ ، وكان ينبغي مشاركة أكبر عدد ممكن من المسئولين ، والقضاة في تحمل مسؤولية إعدام الملك الذي كان مقرراً سلفاً .

كان رئيس هيئة المحكمة المحامي جون برادشو الذي وضع على رأسه خوذة ضد الرصاص ، وكانت قاعة المحكمة غاصة بالجنود بحيث تعذر على الكثيرين دخول القاعة من الأبواب التي ظلت مفتوحة طوال الوقت للجمهور ، وفي الميعاد المحدد دخل الملك القاعة بكامل زيه الرسمي ، وجلس على الكرسي المخصص له ، وقد رفض خلع قبعته دلالة على عدم احترامه لهيئة المحكمة وشرعيتها .

المدعى العام :
بعد الحيثيات ، وجّه المدعى العام ، السيد كوك ، الاتهام للملك بالخيانة العظمى ، وبتحوله إلى طاغية يقف ضد إرادة الشعب والبرلمان ، استمع الملك إلى التهم الموجهه إليه بصمت ، غير أنه ضحك بصوت مرتفع عندما ذكر المدعى العام أنه طاغية وقاتل .

تهكم الملك على المحكمة :
بعد ذلك طلب منه الرئيس أن يرد على التهم الموجهه إليه ، غير أن الملك أجاب : أود أن أعرف أولاً ما هي السلطة التي تملك أن تحضرني إلى هنا ، وبعد ذلك أرد ، فقال الرئيس برادشو له : أنت تحاكم هنا باسم الشعب الذي انتخبك ملكاً ، فأجابه الملك قائلًا : انجلترا لا تعرف الانتخابات طوال تاريخها ، وهي مملكة يتم توارث العرش فيها منذ أكثر من ألف عام ، ولذا أود أن أعرف بأي حق أحاكم هنا ، وهنا رفع الرئيس الجلسة .

وعند استئناف المحاكمة في اليوم التالي رفض الملك بعناد الرد على التهم الموجهه إليه ، وظل يصر على القول بأن المحكمة لا تملك محاكمته ، وعند ذلك أعلن الرئيس أن الملك يتحدى هيئة المحكمة ، ونادى الشهود لسماع اقوالهم .

الشهود:
وقد تقدم للشهادة أكثر من 24 برلمانياً ، شهدوا أن الملك أمر بإعلان الحرب على الشعب ، بل وشارك بنفسه في محاربة الشعب ، وشهد البعض أنهم رأوا الملك فوق صهوة جواده والسيف في يده ، وهذه التهمة شبيهة بجريمة الحرب في أيامنا هذه .

الحكم ومغادرة المحكمة:
وهكذا صدر الحكم على الملك بالإعدام لأنه السبب في الخراب والدمار والحرائق والقتل الذي شهدته إنجلترا إبان الحرب الأهلية ، لكل هذا تحكم المحكمة على المدعو تشارلز ستيوارت بالموت عن طريق فصل رأسه عن جسده .

وبعد صدور الحكم طلب الملك الكلام ، ولكن برادشو رفض طلبه وأمر الحراس بإخراجه من القاعة ، وقد غادر الملك القاعة وسط بصاق الجنود وهتافاتهم المهينة والساخرة ضده.

تنفيذ الحكم :
وبعد يومين من انتهاء المحاكمة سمح للملك برؤية أولاده الصغار ، وفي 29 يناير ، صادق كروميل ومعه 64 آخرون على الحكم الذي تم تنفيذه في صباح اليوم التالي ، علناً أمام الجمهور .

وقد طلب الملك في ذلك الصباح ملابس تقيه البرد حتى لا يراه الناس يرتجف ، فيظنون أن ذلك بفعل الخوف ، كما قال ، وعلى منصة الإعدام شرح باختصار انجازاته ، ومبادئ نظام الحكم في انجلترا ، وختم حديثه بالقول : لم أكن أعرف أن سعادة الناس تكمن في عملية مشاركتهم في الحكم ، فهناك فرق واضح بين الرعية والملك .

لقد تم قطع رأس الملك بضربة واحدة ، ثم رفع الرأس عالياً ليراه الجميع ، بعد ذلك صعد الجمهور إلى المنصة ، ليغمس كل فرد متعطش للدم منديله في دم الملك للذكرى .

By Lars