كثيرات هن النساء اللاتي تمهدت لهن أسباب المجد ، ونلن شهرة واسعة لعدة عوامل فمنها السياسية ، أو الموهبة الشعرية الكبرى ، أو الإبداع المتميز ، ويتخطى صيتهن صفوة المجتمع إلى عامته ، فيكتسبن شعبية هائلة ، وتتناول المخيلة الشعبية سيرتهن بانبهار ، وكثير من الأساطير .
من هي الشاعرة ولادة بنت الخليفة المستكفي :
أشهر نساء الأندلس ، وإحدى الأميرات من بني أمية ، وهي واحدة من النساء النابغات في الشعر وفنون القول ، تبوأت مكانة عالية في مجتمعها ، وحازت صيتًا واسعًا بسبب ثقافتها ، وجمالها وفتنتها وزينتها ، تميزت الأميرة بتحررها ، فهي أول من رفعت الحجاب في الأندلس ، وكانت بعد وفاة أبيها ، تقيم ندوة في منزلها يحضرها الشعراء والأدباء ومنهم ابن زيدون ، فبادلته حبا بحب .
من هو الشاعر ابن زيدون :
نشأ الشاعر في بيت حسب ، ونسب ، وعلم ، ومال ، لأب من أصاحب الأموال ، يعمل بالقضاء والفقه ، اهتم بابنه ، فأحضر له الأدباء لتعليمه ، كان صغيرًا في العمر عندما توفي والده ، فانكب بعدها ينهل من المعارف والعلوم حتى أصبح واحدًا من أشهر الشعراء العرب في الأندلس .
شعر ابن زيدون :
يعد من أعظم شعراء الأندلس ، وأجلهم مقامًا ، لموهبته الشعرية الفذة ، وتنوعت أشعاره ، وأغراضها فمنها الغزل ، والمدح ، والرثاء ، والاستعطاف ، ووصف الطبيعة ، والهجاء ، وقد كان في مدحه لحكام الأندلس ، يركز على معانٍ محددة هي الشجاعة والقوة ، وكان يضع نفسه في مصاف ممدوحيه ، وهيبتهم على طريقة المتنبي .
فقد كان يتميز بعزة النفس ، ورفعة الشأن ، وكذلك الأمر نراه في قصائد الاستعطاف التي كتبها أثناء بؤسه ، وسجنه أو فراره من قرطبة ، فقد كانت تعبر عن نفس أبية وقوية ، لم تستطع القيود والسجون والتشرد أن تهزمها.
قصة الحب بين ولادة وابن زيدون :
إن قصة حبهما هي واحدة من أجمل قصص الحب والهيام التي خلدها الأدب العربي في عصر الأندلس بصفة خاصة ، وكان لهذا الحب فضلٌ فيما وصل إلينا من هذا الشعر الجميل لهما فهما يتميزان بمقدرة شعرية متفردة ، وارتبط حبهما بحدائق مدينة قرطبة الساحرة ، حين بدأ اللقاء الأول بينهما فهوى الفتى الشاب العاشق ، وهي الأُنثى الرائعة ، ومما أنشدها :
إني ذكرتك بالزهراء مشتاقًا والأفق طلق ومرأى الأرض قد راقا
وللنسيم اعتلال في أصائله كأنما رق لي فاعتل إشفاقا ..
الخلاف بين الحبيبين ابن زيدون وولادة بنت المستكفي:
اختلفت الأقوال في سبب انفصال الحبيبين على عدة أقوال منها أنه غازل جاريتها ، وهي أحست بالإهانة ، إذ كيف يتركها ، وينظر لمن هي في خدمتها ، فانفصلت عنه ، ونظمت الشعر الذي يعبر عن هذا الحدث ، حيث قالت:
لو كنت تنصف في الهوى ما بيننا لم تهو جاريتي ولم تتخير
وتركت غصنا مثمـرا بجمـاله وجنحت للغصن الذي لم يثمر
من الأقوال التي قيلت أيضًا في سبب هذا الفراق ، هو تعرضها للنقد الشعري منه ، فقد انتقد أبيات لها ، فأحست بالإهانة ، والانتقاص ، وبعدها انفصلت عنه ، انتصارًا لإحساسها بمقدرتها الشعرية .
دور الوزير ابن عبدوس في القطيعة بين ابن زيدون :
من المؤرخين من يرى أن الوزير هو سبب من أسباب القطيعة بينهما ، وبالفعل فعندما انفصل الحبيبان ، ارتبطت به ولادة ، واختارته ، مع علمها بالعداء بينه وبين حبيبها ، دفع ذلك بعض المتطرفين إلى تصويرها وكأنها إحدى فتيات الهوى والمتعة ودسُّوا عليها بعض النصوص التي تثار حول الفاتنات الغانيات ، غير أن بعض الباحثين وصفوها بالعفة والطهارة .
محاكمة ابن زيدون وسجنه :
وبعد مدة قُدم إلى المحاكمة ، بسبب المؤامرات التي دبرها الوزير وأعاونه له ، وحكم عليه بالسجن ، ومن سجنه أخذت الذكرى تعذبه ، ويكتب الكثير من القصائد الخالدة عن حبه الذي كان ، ولكنها لم تعره انتباهًا ، ولم تحاول التواصل معه ، بينما دلت قصائده على إخلاصه وحبه.
هروب ابن زيدون من السجن :
وبعد فترة من السجن ، هرب من سجنه وعفا عنه الخليفة لكبر سنه ، وذُكر أنه ذهب بعد هروبه من السجن إلى الحديقة المشهورة ، التي كان يجالس بها محبوبته ونشد فيها أبياتًا مشهورة منها :
أضحى التنائي بديلا من تدانينا وناب عن طيب لقيانا تجافينا
عليك مني سلام الله ما بقيت صبابة منك تخفيها فتخفينا
علمت أنه هرب ، وأنشدها تلك الأبيات المشهورة ، ولكن لم تلق هذه الأبيات أي قبول في قلبها حيث أصبحت قصة حبه وغرامها به مجرد ذكرى ، رغم ما خلفه هذا الحب العنيف من أثر في نفسيهما ، والذي بقي مستعراً عنده ، وظلت هي دون زواج حتى موتها .