يعد اكتشاف حجر رشيد من أهم الاكتشافات الأثرية في العصور الحديثة ، إن لم يكن أهمها على الإطلاق ، ذلك لأنه بفضل هذا الاكتشاف تمكن العلماء لأول مرة من فك رموز اللغة المصرية القديمة ، والمعروفة باسم اللغة الهيروغليفية ، وهي نفس اللغة المنقوشة على جدران المعابد والآثار والبرديات الفرعونية القديمة ، والتي لم يستطيع أحد من علماء الآثار أو المصريات فهمها إلا بعد اكتشاف حجر رشيد ، وقيام العالم الفرنسي شامبليون بكشف أسراره .

حجر رشيد :
هو حجر مصنوع من مادة البازلت يبلغ ارتفاعه 113 سنتيمتر ، وعرضه 75 سنتيمتر وسمكه 27.5 ، والحجر منقوش عليه كتابة بثلاثة من اللغات القديمة وهي اللغة الهيروغليفية واللغة الديموطيقية أو القبطية واللغة اليونانية ، وقد نقشت الكتابات على هذا الحجر في عهد الملك بطليموس الخامس ، وهو من الملوك البطالمة وهذا يفسر وجود نقوش باللغة اليونانية القديمة أو المعروفة باسم اللغة البطلمية على الحجر .

كان الحجر يمثل خطاب شكر وعرفان موجه من مجموعة من كهنة مدينة منف للملك بطليموس الخامس لإعفائه للمعابد من دفع بعض الرسوم ، وقد تم كتابته عام 196 قبل الميلاد .

لذلك تم استخدام اللغة الهيروغليفية والتي كان الكهنة في ذلك الوقت مازالوا يستخدمونها ، كما أن عامة الشعب كانوا يستخدمون اللغة الديموطيقية ، ولذلك تم الكتابة على الحجر بالثلاث لغات حتى يستطيع الملك وعامة الشعب قراءتها .

ومع حلول القرن الرابع الميلاد كان عدد المصريين الذين يستطيعون قراءة اللغة الهيروغليفية قليل جدًا ، ومع إغلاق جميع المعابد الفرعونية أو استبدالها بمعابد مسيحية بأوامر من الملك الروماني ثيودوسيوس الأول عام 391م اندثرت اللغة الفرعونية تمامًا ، ولم يعد يفهمها أحد .

اكتشاف حجر رشيد :
بدأت الاحتلال الفرنسي لمصر عام 1798م بقيادة نابليون بونابرت ، فقد رست مراكب الحملة بمدينة الإسكندرية واستمرت بالتقدم عبر مدينة رشيد وهي إحدى مدن محافظة البحيرة ، وبينما كان أحد الضباط الفرنسيين ويدعى بيير فرانسوا بوشار يقوم بحفر خندق عثر على هذا الحجر عام 1799م ، وقد تم الإعلان عن هذا الاكتشاف في الصحيفة التي كانت تصدرها الحملة لمقاتليها .

تم نقل الحجر بعد ذلك إلى المجمع العلمي الذي أسسه نابليون بونابرت من مجموعة من العلماء الفرنسسين الذين أتوا مصر مع الحملة الفرنسية ، وظل الحجر هناك دون التوصل إلى فهم الكتابات المنقوشة عليه حتى رحيل الحملة الفرنسية عن مصر وذلك في عام 1801م .

وبعد مغادرة الفرنسيين لمصر تم الاتفاق بين القوات الإنجليزية التي كانت تحاصر شواطئ الإسكندرية في ذلك الوقت على تسليم كل الآثار المصرية التي تم اكتشافها أثناء الحملة إلى الإنجليز ، وكان الحجر من بين تلك الآثار ، وتم إرسال الحجر إلى المتحف البريطاني ، وهو لازال موجود به حتى يومنا هذا .

ولكن علماء الإنجليز فشلوا في تفسير الكتابة المنقوشة على الحجر ، ولذلك تم عمل نسخ مطابقة للنقوش الموجودة على الحجر ، وتم إرسال تلك النسخ للعديد من المتاحف وعلماء الآثار في بلدان مختلفة ، لعل أحدهم يستطيع التوصل لفك سر تلك الرموز ، وقد تم إرسال نسخة من النقوش المكتوبة على الحجر إلى المتحف الفرنسي عام 1803م .

شامبليون وفك رموز حجر رشيد :
على عكس الشائع فإن جان فرانسوا شامبليون لم يكن من بين علماء الحملة الفرنسية على مصر وربما لم يزر مصر أبدًا ، حيث كان عمره وقت قدوم الحملة ثمانية سنوات فقط ، ولكنه اهتم منذ صغره بتعلم اللغات القديمة ، وقد اتقن اللغة اليونانية واللغة اللاتينية وهو في الثانية عشر من عمره.

ثم تعرف شامبليون على أحد علماء الحملة ويدعى جان باتيست فورير ، الذي أعطاه بعض البرديات التي جلبها معه من مصر ، فانبهر شامبليون بشكل الكتابه ، لكنه علم من جان باتيست أنه لم يستطيع أحد فهم معنى تلك الكتابات حتى وقتهم ، مما أثار اهتمام شامبليون فبدأ في تعلم اللغة العربية واللغة القبطية .

وبالفعل تمكن العالم الشاب شامبليون عام 1822م من فهم الحروف الهيروغليفية المكتوبة على الحجر ، وذلك من خلال مقارنتها بالحروف اليونانية التي كانت تحمل نفس المعنى ، وبذلك تم التوصل لفهم حضارة من أقدم الحضارات التي نشأت على الأرض وهي الحضارة الفرعونية .

By Lars