وُلد الطفل الملكي الملقّب بلويس السابع عشر ويدعى لويس شارل في عام 1785م ، وكان هو الطفل الثالث لملكي فرنسا ، حيث سبقه أخيه لويس جوزيف وشقيقته ماري تريز ، وكان شقيقه لويس جوزيف هو الذي يحمل لقب الدوفين أي وريث العرش .
بينما حمل لويس شارل لقب دوق نورماندي ، ولكن الشقيق الأكبر منه لويس جوزيف قد توفي عن عمر يناهز السبعة أعوام ، تاركًا اللقب والعرش لأخيه البائس لويس شارل ، حيث توفى لويس جوزيف إثر إصابته بحمى وسل.
وقد ارتبط خروج لويس شارل إلى الحياة مرافقًا للشائعات عدة طالت نسبه حرفيًا ، فقد كانت الشائعات قد انطلقت بأن لويس شارل ، قد أتى نتيجة علاقة آثمة لماري أنطوانيت والدته مع عاشق لها ، ولكنها سرعان ما نفت تلك الشائعات ولم يصدقها أحدهم .
كانت الأم ماري أنطوانيت أمًا حانية على أطفالها ، ولكنها في نفس الوقت كانت تعلمهم مبادئ القيادة ولا تسمح لهم بالخروج عن الآداب العامة ، وعقب ولادة لويس شارل بعام واحد ، رزقت والدته بمولودة أخرى آخر ، إلا أنها قد توفت أيضًا عند عمر ناهز الأحد عشر شهرًا.
أزمات طاحنة :
خلال هذا الوقت إبان القرن الثامن عشر ، كانت فرنسا منقسمة على نفسها إلى قسمين ، قسم لفرنسا الثرية التي يتمتع سادتها وأمراؤها وحاشيتها بالترف البذخ ، والامتيازات الكثيرة والتي تسبب فيها تباطؤ وتردي والحكم المطلق الذي تنعّم به الملك لويس السادس عشر آنذاك .
بينما تعيش فرنسا الأخرى والقسم الآخر بها والذي يضم عامة الشعب في ذل وفقر مدقع ، فقد كانت السيدات يقمن ببيع بعض أبنائهن من أجل توفير لقمة العيش للبعض الآخر ، وكانوا يحرمون من تناول ما تجنيه أيديهم من ثمار شقوا في زرعها ، ولا يأكلون إلا الفتات ، مع تزامن ذلك بأعوام من الحصاد السيئ والمحاصيل القليلة ، وتدهور شديد لحالة الاقتصاد الفرنسي ، والذي دفع ثمن هذا البذخ والتفاخر الكاذب لطبقة المملك وحاشيته والنبلاء ومن حولهم جميعًا .
ولعل أكثر مشهد وصف تلك الحالة بين الطبقات هو ما خطّه الكاتب شارل ديكنز في روايته قصة مدينتين ، عندما كتب مشهد تكسير زجاجات الخمر ، وصار الفقراء يلعقونها بالتراب من فوق الأرض ، مصورًا كم المعاناة والحرمان الذي مر به الشعب الفرنسي.
الشرارة :
رغم انتشار الفقر والذل ، إلا أنه قد بزغ فجر التنوير الذي خلّده كل من فولتير وجان جاك روسو ، في مؤلفاتهم التي جابت فرنسا بطولها وعرضها ، وأزاحت هذا الصدأ الذي كان قد ران على قلوب الشعب الفرنسي كاملاً ، فقد كان الملك لويس السادس عشر مستبدًا ولكنه كذلك لا يملك رأيًا قاطعًا في أي شيء ، وبينما كان الصغير الملك لويس السابع عشر يلهو بين يدي المربيات ولا يفقه شيئًا بعد ، إلا أنه كان على موعد مع قدره ومصيره المحتوم ، جراء ما اقترفته عائلته سابقًا.
الثورة :
اندلعت فجأة ثورة عارمة ، أو كما وصفها المؤرخون لم تندلع فجأة وإنما اندلعت إثر ما تعرّض له الشعب من إذلال ومهانة وتجويع ، على مدار عقود طويلة تكللت بالكراهية والحقد على كافة الطبقة الثرية والملكية والنبلاء وغيرهم ، ممن عاشوا في السعادة وتركوا الشعب يموت جوعًا ، وكانت بداية الهجوم على حصن الباستيل .
فقد كان الثوار بحاجة إلى الاستيلاء على السلاح من أجل استكمال صرخاتهم التي خرجت أخيرًا من الحناجر ، وبالفعل وعقب ساعات من الهجوم استسلم الحرس ، وكان أغلبهم من دول أجنبية أخرى ، وسقط حصن الباستيل في أيدي الثوار ، وتم الهجوم على الماركيز برنارد دي لوناي ، وقطع رأسه.
حاول الملك كثيرًا أن يخمد تلك الثورة ، ولكنه فشل في ذلك عقب انتشار شائعة أنه سوف يذيق الشعب الأمرّين مرة أخرى أو يحرقهم إذا ما فشلوا ، فاستعدوا جميعًا للهجوم مرة أخرى.
اقتربت الثورة من الملكين ، الذين خرجا من قصر الفيرساي واتجها تحت الحراسة إلى قصر التويلري ، ولكنها كانت خطوة متهورة ، فقد أصبحوا الآن بين يدي الغوغاء ، وكانت تتم معاملتهم بقسوة ويتم تفتيشهم جميعًا حتى الأطفال ، إلى أن حاولوا الهرب عن طريق البحر ، ولكنها كانت محاولة بائسة أدت لمزيد من الثورة ضدهم ، حيث علم الثوّار بها ، وتم إلقاء القبض عليهم وإعادتهم إلى قصر التويلري مرة أخرى ، حتى لا يستطيعوا الاحتماء بجيوش أخرى والقيام بثورة مضادة.
مع تفاقم الأحداث وظهور نوايا الملكين في اجهاض الثورة ، تم اقتيادهم إلى مكان جديد يدعى برج الهيكل ، في خطة لقتلهم جميعًا والتخلص من خبثهم ، وبالفعل اقتيد الملك لويس السادس عشر إلى ساحة الكونكورد الآن ، والتي كانت آنذاك ميدان الثورة ، وتم قطع رأسه بالمقصلة وتلته زوجته ، التي تركت خلفها الصبي الصغير يعاني الذل على يد البعض من الثوّار ، حيث تم إيداعه لدى إسكافي ثوري أذاقه الويلات ، وتعرض لعمليات غسيل للمخ أدت إلى قيامة بغناء أغاني الثورة وينعت أمه وخالته بالعاهرتين!
قلب الأمير :
عقب حبس الأمير في منزل الإسكافي ، والتزامه للصمت تم توكيل طبيب لفحصه ولكن الطبيب كان قد مات إثر عملية تسمم عقب عشاء تناوله في دعوة من بعض الثوار ، ثم تم تكليف طبيب آخر لفحص الصغير والذي أعلن أنه يعاني من السل وبعض الكدمات ، ثم توفى الأمير فجأة وقام الطبيب بتشريح جثته ، وسرق قلب الطفل!
من المعتاد في تلك الفترة أن الجسد كان يُدفن بالفعل دون القلب ، ولكن بدلاً من أن يسلمه الطبيب إلى الثوار احتفظ بيه في بعض الكحول داخل منزله ، ثم سرقه أحد طلابه الذي اعترف بجريمته فيما بعد ، وأعادته أرملته إلى الطبيب مرة أخرى ، ليسلمه عقب ذلك إلى رئيس أساقفة باريس ليحتفظ به.
ودار الجدل بشأن هذا القلب إن كان ينتمي إلى الملك الصغير أم لا ، وبمرور الأيام تم دحض تلك الحجج جميعها ، وإثبات أن القلب يعود للملك الصغير المغدور ، وتم دفنه إلى جوار والديه الملكين.