الهون هم الأجداد الأصليون للأتراك ، والذين كانوا قد نزحوا من منغوليا إلى شرق أوروبا ، هذا الشعب الآسيوي شديد الضراوة والخبث ، وقد أصبحوا بفضل قوتهم لا يستهان بهم قط ، وعندما أثبتوا قوتهم أنشئوا إمبراطورية الهون والتي يترأسها ملكُ يدعى رو .
أتيلا الهوني :
عندما نسرد أحداث قصتنا ، سوف تدركون أن هذا الشخص كان موده وبالاً على العديد من البشر ، حيث ولد أتيلا في عام 406م ، وكات آنذاك توجد عادة لدى هذا الشعب في جرح وجنتي الوليد ، من أجل أن يتعلم ألام الحياة منذ صغره ، وكان أتيلا واحدًا من أولئك الذين مارسوا العنف ضد البشر ، حيث كان وليدًا للأسرة الحاكمة ، والعائلة الملكية فأخذ بعبث فسادًا بالأرض كما يريد .
وعند بلوغه الثمانية وعشرون عامًا ، توفى العم رو قائد إمبراطورية أتيلا ، وآل الحكم عقب ذلك إلى أتيلا وشقيقه بلاديا ، ولكن أتيلا أراد الاستيلاء على الحكم والانفراد به وحده ، إلا أن شقيقه كان يتمتع بشعبية جارفة ، فاضطر أتيلا إلى الانتظار قليلاً.
ظل أتيلا يعمل على ترتيب جيوشه ، فقام بعدد من الحروب الواسعة التي استطاع من خلالها الاستيلاء على عددٍ من اللابد وضمها إلى قواته ، وكوّن جيشًا ضخمًا لا يستطيع أحد أن يوفقه مهما حدث ، وكانت بيزنطة آنذاك تمثّل محمية طبيعية لإمبراطورية الهون .
وكانت تتفادى السقوط في أيدي الهون من قبل بدفع ما قدره سبعمائة رطلاً من الذهب إلى العم رو ، ولكن عندما علم السلطان البيزنطي بوفاة العم رو ، ألغى تلك الاتفاقية ورفض دفع المبلغ إلى كل من أتيلا وشقيقه بلاديا ، فقرر الأخيران الانتقام منه وذهبوا إليه بجيش هائل ، ودخلوا بيزنطة حتى عبروا إلى الجانب الغربي حيث تقع تركيا.
ولسوء حظ امبراطور بيزنطة كان أتيلا قد علم ، أنه قد أرسل جيشه إلى صقلية لاسترداد ماله من أراض ومستعمرات في شمال أفريقيا ، وكان هذا اليوم هو يوم سوق ، فاستغله أتيلا ودخل إلى بيزنطة وذبّح أهلها ، ورمى الجثث في الطرقات وأهلك مدينة بلغراد كاملة ، وحين أدرك الامبراطور بشاعة ما حدث ، أرسل إلى أتيلا يطلب هدنة وتوقيع اتفاقية أخرى ، ورفع الجزية حتى يتوقف هذا النهر الجاري من الدماء البريئة ، بسبب هجمات برابرة الهون عليهم.
لم تكن للحياة أي قيمة لدى أتيلا ، لذا أخذ يذبح ويقتل دون رحمة ، حيث أراد دائمًا أن يكبّد غيره أفظع الخسائر ، وعلى الرغم من مشاركة بلاديا شقيقه له في جرائمه إلا أنه في نفس الوقت ، كان يستمع للشكاوى ويعف عند المقدرة ، ولم يكن الأمر محبذ لدى أتيلا ، فقد كان يريد الانفراد بالعرش وحده ، ووصل الأمر إلى الاقتتال بينه وبين شقيقه ، وأقدم أتيلا على ذبح شقيقه وهو نائم ، واعتلى العرش.
انتشار خبر مقتل بلاديا كان كالصاعقة ، وانقسم الجيش وهرب عدد كبير منهم يحتمون بالإمبراطورية الرومانية ، وعندما علم أتيلا هذا الأمر غضب بشدة وطلب من إرسال المنشقين عن صفوفه إليه ، إلا أن الامبراطور الروماني قد رفض ذلك واحتفظ بهم بين صفوفه .
وهذا الأمر دفع أتيلا إلى إعادة توحيد صفوفه ، واللعب على الخرافات التي كانت تمثل معتقداتهم آنذاك ، وقام بمهاجمة بعض المستعمرات الرومانية ، ودمرها كاملة وأتى على كل ما بها من أخضر ويابس ، وبقر بطن الحوامل ، وقطع رؤوس الرجال والأطفال ولم يتركها سوى خراب.
أول هزيمة :
كان لتيلا زوجات عدة وكن يغرن من بعضهن كثيرًا ، فقامت احدهن بالإيقاع بين أتيلا وإحدى زوجاته مدعية رؤيتها تمارس الرذيلة مع أحد عبيده ، فقام أتيلا بالإجهاز على زوجته والعبد ولكنه عندما علم بأنها قد خدعته ، قام أتيلا بتعذيبها وقتل أطفالها وأكلهم أمام عينيها ثم قتلها.
عقب انتشار تلك الواقعة ارتعب العديد من قادة الممالك في اوروبا ، وقد استفاد أتيلا من ذلك كثيرًا ، وفي تلك الأثناء وعندما أخذ أتيلا يستعد من أجل اقتحام رومانية الشرقية ، أرسلت له شقيقة الامبراطور الفرنسية إمبراطور رومانية الغربية ، تستنجد بأتيلا للزواج منها نظرًا لأنهم يفرضون عليها زوجًا لا تريده.
والحقيقة أنها قد ضُبطت متلبسة بعلاقة آثمة مع مستشار العائلة الملكية الخاص ، ففرض شقيقها عليها أن تتزوج من قائد مغمور ، فخططت الأميرة لجلب أتيلا من أجل الانتقام ، وبالفعل كانت طريقة ملهمة أنقذت رومانية الشرقية من هجمات أتيلا حيث حول ناظريه نحو رومانية الغربية ، وبالفعل أرسل خطابه للأميرة موافقًا على الزواج منها.
وطلب بحقه في نصف أراضي الرومان الغربية ، ولكن شقيق الأميرة قد رفض الطلب والزواج ، فما كان من أتيلا سوى أن تحداه وقرر أن يطرده شخصيًا إلى خارج قصره .
جمع أتيلا جيشه وذهب متجهًا إلى فرنسا ليقضي عليها كما فعل مع غيرها ، وأثناء مسيرته كان أتيلا قد دمر وقتل الآلاف في طريقه ولم يترك أحدًا على قيد الحياة ، وعندما وصل إلى فرنسا كان الامبراطور قد عقد تحالفًا مع جيوش القوط الغربيون ، وقابل أتيلا جيشًا عظيمًا في معركة شالون بوسط فرنسا ، تكبّد خلالها أتيلا خسائر فادحة وتراجع بمن بقي من جيشه حتى يستعيد قواه.
في العام التالي هاجم أتيلا إيطاليا عقر دار الرومان ، وأسقط مدنها الواحدة تلو الأخرى في مجازر بشعة ، عقد بعدها معاهدة مع بابا روما الذي طلب الرحمة والهدنة ، وجاء الاتفاق يوافق أهواء أتيلا الذي وافق على الفور وعاد إلى بودابست محملاً بالذهب والثروات.
عقب ذلك تزوج أتيلا من إحدى سباياه ، وأقيمت ليلة عرسه كعادة شعب الهون حيث اعتدوا على شرب الخمور والكحوليات ، التي تغيّب العقل تمامًا وصعد إلى غرفته مع عروسه ، ولكنه لم يخرج منها قط ، وما أن تأخر حتى ذهب الحراس إلى غرفته ليجدوه ملقى ميتًا على الأرض وقد غطته الدماء في مشهد بشع ، بينما تنتحب عروسه في ركن الغرفة.
ولا أحد يعلم ما الذي قتل أتيلا فهل هي الكحوليات قد تسببت له في نزيف مل الرئتين ومات إثره ، أم أن عروسه قد قتلته فهي إحدى سبايا حملاته البشعة على بلاد الجرمان ، وتم دفنه في قبر وثلاث توابيت مصنوعة خصيصًا له من الذهب والحديد والفضة ، وتم قتل كل من شارك في دفنه حتى لا يعلم أحد بمكان قبره ، وعقب عدة أعوام انهارت إمبراطورية الهون بعد أن تنازع على ملكها أبناء أتيلا ، وصارت فيما بعد رواية تاريخية يقصها المؤرخون .