ذات صباح مشمس جميل هرب أسد وضبع من حديقة حيوانات باريس ، حيث تركت أبواب قفصيهما دون أن توصد بعناية ، كان الأسد والضبع قد التهما وجبة شهية مشبعة فأخذا يتمشيان تحت أشعة الشمس الدافئة داخل الحديقة ، ثم فجأة قال الأسد للضبع لقد خطرت لي فكرة لطالما أردت أن أزور قفص البشر لأتفرج عليهم مثلما يقفون أمامي مثل البلهاء حتى لو بدوت أبلهًا .
خشى الضبع في البداية ثم سرعان ما استجاب لرغبة الأسد وخرجا من الحديقة وفي تلك اللحظة بدأت باريس تصحو وأخذت تطلق زئيرًا صاخبًا تسمر له الضبع منصتًا بخوف ، وارتفعت جلبة المدينة جلبة مبهمة يختلط فيها ضجيج الشوارع وأصوات ضحكاتنا ونحيبنا لتبدو مثل عويل فزع وحشرجات موت .
قال الضبع في فزع لابد أنهم يذبحون بعضهم في قفصهم ، هل ترى أنه من الحكمة أن نجازف ونذهب إلى هناك ؟! ، فقال له الأسد لا تقلق لن يأكلونا وسارا بهدوء بمحاذاة المنازل ، حتى وصلا إلى ساحة واسعة يجتمع بها جمع غفير من الناس ، وفي الوسط منصة حمراء تتجه إليها أنظارهم في بهجة ونهم .
فقال الأسد لابد أنهم سيقدمون وجبة شهية للجميع ، ثم أتت عربة وسحبوا رجلًا من داخلها وألقوه على المنصة وقطعوا رأسه والناس يهتفون ، اعتقد الأسد أنهم يهتفون من الجوع ، ولكنهم وضعوا الجثة في العربة وانصرفوا ، قال الضبع أي حيوانات متوحشة هذه إنهم يقتلون بلا جوع ، دعنا نخرج من هذا الحشد بسرعة .
غادرا الساحة واتجها إلى قلب المدينة وشاهدا منزلًا صغيرًا يدخل إليه الناس كمن يدخل إلى حفل لحق الأسد والضبع بالحشد فوجدا جثثًا مخترقة بالجروح وممددة على بلاطات عريضة ، قال الضبع أترى إنهم لا يقتلون من أجل أن يأكلوا ، انظر كيف يتركون الطعام يفسد .
خرجا مجددًا إلى الشارع فوجدوا قطع لحم معلقة بخطاطيف والدماء تسيل في خيوط رقيقة ، وكان الضبع قد أكل حتى التخمة فصاح وهو يشيح برأسه هذا مقزز رؤية كل هذه اللحوم تبعث على الغثيان .
بعد مسافة بسيطة قال الضبع للأسد هل لاحظت هذه الأبواب الغليظة إن البشر ينصبون الحديد بين بعضهم حتى لا يلتهمون بعضهم البعض ، وفي هذه اللحظة عبرت عربة فدهست طفلًا فنضح الدم ملطخًا وجه الأسد ، الذي صاح هذا مقززًا إنها تمطر دماء في هذا القفص ، قال الضبع إنهم ابتكروا هذه الآلات لكي يحصلوا على أكبر قدر من الدم .
أراد الأسد أن يزور كل جزء في المدينة وكان الضبع مضطرًا للحاق به لأنه لم يجرؤ أن يخطو خطوة وحيدًا ، وحين عبرا أما البورصة سمعا صيحات شرسة تتصاعد من هذا العرين فلم يجرؤا أن يدخلا ، وقد انتصب وبر الضبع من شدة الخوف ، وقال محاولًا جر الأسد لابد أن هنا مسرح المجزرة العامة الجارية .
ابتعد الأسد دون أن يجادل فقد بدأ الخوف يتملكه ، وفي طريقهما للعودة ، بدأت ضوضاء غريبة تتصاعد وأقفلت المتاجر واجتاحت مجموعات من المسلحين الشوارع وحل صمت ثقيل بالشوارع ، ما هي إلا دقائق واندلع إطلاق النار ودوي المدافع ، وسالت الدماء وتساقط الموتى في النهر ، فيما كان الجرحى يصرخون ، انشق قفص البشر إلى معسكرين وأخذت تلك الحيوانات تلهو بذبح بعضها البعض .
حين رأى الأسد ما حدث صاح بالضبع يا إلهي أنقذنا من هذه المعركة ، نلت عقابي لانسياقي وراء رغبتي الحمقاء ، هيا بنا إن عظامي ترتعد من الرعب علينا أن نرحل بأسرع ما يمكننا ، وحين وصلا إلى حديقة الحيوانات تبادلا التهاني بحرارة على عودتهما سالمين .
قال الأسد لن أعاود الخروج من قفصي لأتنزه في قفص البشر ، فلا سلام سوى هنا في قعر هذا القفص المتحضر ، بينما راح الضبع يتفقد قضبان القفص الواحد تلو الآخر ليرى إن كانت تكفي لحمايتهم من ضراوة البشر .