قد تقف أمام مجموعة رائعة من الصورة تلهمك بالكثير من الأمل ، وتجعلك تتأملها ببطء بل وترغب في اقتنائها أيضًا ، وهناك أيضًا البعض منها قد يثير في نفسك انقباضه لا تدري لها سببًا ، وتفر من أمامها غير مبالي بأنك هكذا لم تستطيع تذوق هذا الفن ! ولوحات الرسام بكشينيسكي قد تكون إحدى تلك اللوحات المُقبضه حقًا.
البداية :
في عام 1964م اشتهر الرسام والنحّات البولندي بكشينيسكي Zdzisław Beksiński بلوحاته السريالية الغامضة ، حيث قضى هذا الرسام حياته ما رسم لوحات عادية للغاية حول ما يعرف بالديستوبيا ؛ وتعني رسومات مجردة لأشخاص ، وكذلك الرسوم السريالية .
كان الرسام بكشينيسكي شخص هادئ ، زوجًا وأبًا لابن وحيد يدعى توماش وهو مقدم إذاعي شعبي ، وصحفي موسيقي ، ومترجم أفلام ، وكان هاويًا لمتابعة أعمال والده وبدأ في مساعدته بنشرها هنا وهناك ، فقد تألق بكشينيسكي في الرسم والنحت السريالي ، وكان يُطلق على رسومه أنها مرسومة بطريقة الباروك ، أو بطريقة القوطية .
وقدم فنه بشكل رئيس خلال فترتين ؛ تمثلت الفترة الأولى من عمله عمومًا في احتواء الألوان التعبيرية ، ومزجها مع نمط قوي من الواقعية اليوتوبية والعمارة سريالية ، مثل سيناريو يوم القيامة ، أما الفترة الثانية فقد تمثّلت في تطوير عمله تجاه العمل على نمط أكثر تجريدًا ، مع السمات الشكلية فقط ، وكانت تلك الفترة هي بداية التغيير الذي طرأ على حياة بكشينيسكي .
ففي أواخر العام الذي كان قد بدأ فيه بكشينيسكي في رسم لوحات مجردة ، تحمل وجوهًا فقط ، بدأ بكشينيسكي في المعاناة من كوابيس غريبة كانت قد بدأت تهاجمه من حين لآخر ، وتتزايد مع مرور الوقت حتى صارت تلاحقه يوميًا ، حتى أنه كان يستيقظ يوميًا في نفس الموعد كل يوم ، ثم يبدأ بالرسم في حالة من الهيستيريا المريبة !
ولم تكن لوحات بكشينيسكي مثل تلك التي نراها ، لا بل كانت مشاهد غريبة لشياطين ، وصرخات ، وموتى! واستمر هذا الوضع معه حتى منتصف فترة الثمانينات ، ولكن من أين أتى بتلك الرسوم ؟ كانت إجابة بكشينيسكي الوحيدة في هذا الوقت أنها قد أتت من الكوابيس التي تهاجمه يوميًا بلا توقف .
وخلال تلك الفترة تحديدًا ، بدأت لوحات بكشينيسكي تعتريها شهرة خاصة جدًا ، وبدأت في الانتشار ، وكان بكشينيسكي يرسمها فقط ولا يعطيها أية أسماء ، وتباع بلا عنوان ، فقط أنها لوحة واحد ، أو اثنان وهكذا ، وقد رفض بكشينيسكي أن يفصح عن السبب.
كانت أواخر التسعينات فترة مأساوية للغاية في حياة بكشينيسكي ، فمع حلول عام 1998م توفت صوفيا زوجة بكشينيسكي بشكل مفاجئ ودون مقدمات ، أو أية عوارض أو أمراض ، وعقب مرور عام وفي عشية عيد الميلاد لعام 1999م ، انتحر ابنه الوحيد توماش داخل غرفته.
عقب الحادثتين انعزل بكشينيسكي تمامًا عمن حوله ، من البشر والأنشطة وكل شيء ، وأخذ في رسم لوحاته بهستيريا أكبر مما سبق ، وبحلول عام 2005م ، عُثر على بكشينيسكي ميتًا داخل منزله في وارسو ، حيث كان قد طُعن حوالي سبعة عشر طعنة أودت بحياته ، وكان من الملفت وجود عدد كبير من لوحاته المريبة حوله ، تم الاحتفاظ بها فيما بعد بأحد المعارض الفنية الكبرى تخليدًا له.
عقب ذلك بفترة قصيرة ، تم إلقاء القبض على المراهق روبرت كوبيك مع شريك له ، حيث توصلت الشرطة إلى أنه هو من قام بقتل بكشينيسكي نظرًا لرفض الأخير منحه بضعة مئات من الأموال ، وتمت محاكمتها في عام 2006م ، وسجنهما لخمسة وعشرين عامًا في تلك القضية ، ولكن وعلى الرغم من أنه قد تم إلقاء القبض على قاتل بكشينيسكي إلا أن البعض مازالوا يثيرون الشكوك بشأن لوحاته ، ووفاة زوجته وابنه الوحيد بشكل مفاجئ .