في عام 1457م اقتيدت خنزيرة وصغارها الستة إلى قاعة المحكمة في فرنسا ، بتهمة قتل طفل ونهش أجزاء من جسده ، وقد تم الحكم على الأم بالموت وأطلق سراح الصغار لعدم توفر الأدلة التي تدينهم !
توزيع القضايا على المحاكم المختلفة:
قد يبدو الأمر غريباً بالنسبة إلينا في هذه الأيام ، غير أن أوروبا شهدت الكثير من محاكمات الحيوانات في القرون الوسطى ، حيث كانت مثل هذه المحاكمات أمراً مألوفاً حينذاك ، وقد شهدت فرنسا وحدها بين عام 1120م وعام 1740م ، 92 محاكمة كهذه ، كان آخرها محاكمة بقرة والحكم عليها بالإعدام ، وكانت المحاكم العادية تقضي في جرائم الحيوانات المنزلية الأليفة ، أما قضايا الحيوانات المتوحشة أو البرية فكانت من اختصاص المحاكم الدينية التابعة للكنيسة .
الأحكام:
كانت عقوبة الحيوانات المذنبة تتراوح بين النفي والإبعاد وبين الإعدام ، وكان ينادي على الحيوان موضع الشكوى في ثلاث جلسات ، فإن لم يحضر أمام هيئة المحكمة يتم إصدار الحكم عليه غيابياً ، وكانت بعض المحاكمات تستمر فترة طويلة وخاصة إذا كانت تنظر أمام محكمة دينية ، كما حدث في القرن 15 عندما استمر نظر القضية ، بين أهالي سانت جوليان وبين مستعمرة من الخنافس 42 عاماً .
مشاكل قضايا الحيوانات :
ومن مشكلات مثل تلك المحاكمات عدم امتثال الحيوانات المتهمة للتعليمات وعدم استجابتها للمثول أمام القاضي ، ففي قضية مشهورة رفعت في فرنسا عام 1521م ، ضد حيوانات قذرة من الفئران الرمادية اللون التي تعيش في الجحور ، بتهمة التخريب المتعمد ، تمنعت الحيوانات المتهمة عن حضور جلسات المحكمة ! ، ويومها تم تعيين المحامي بارثولوميو شاساني للدفاع عن الفئران ، فأظهر براعة في دفاعه سببت له الشهرة ورسخت اسمه في دنيا المحاماة .
القضية الفرنسية الشهيرة:
سألت هيئة المحكمة لماذا لم تحضر الفئران في اليوم المحدد ، فأجابها المحامي القدير: لأن أمر الاستدعاء لم يكن واضحاً ولا مصاغاً بدقة ، وأوضح أن أمر الاستدعاء كان ينبغي أن ينص صراحة على حضور جميع فئران الأبرشية .
وفي المرة الثانية طلب تأجيل موعد الجلسة لأن موكليه بعضهم كبير في السن وعاجز مما يستدعى توفير إجراءات خاصة لنقلهم وإحضارهم إلى قاعة المحكمة ، أما في المرة الثالثة والأخيرة فقد قال : بأن موكليه مستعدين للحضور إن تم احتجاز جميع القطط في المنازل ، وعندما رفض الأهالي الاستجابة لمطلبهم ، تم إلغاء القضية ، وانتصر شاساني !
قضايا أخرى شهيرة :
وفي ألمانيا تم تأجيل محاكمة دب عام 1499م ، بحجة أن له الحق في محاكمة يحضرها محلفون من الدببة أقرانه ! وفي عام 1519م تم الحكم في إيطاليا ، على بعض البغال بالنفي مع النظر بعين الرأفة إلى الصغار والإناث الحوامل ! .
غير أنه كانت هناك أيضا محاكم لا تتحلى بأي قدر من الرحمة ، ففي بال تم الحكم بالإعدام على ديك حرقاً عام 1474م لأنه وضع بيضة ، ذلك لأن مثل ذلك الأمر لم يكن ليحصل لو لم يكن الشيطان يسكن روح ذلك الديك ، لقد كان الديك شيطاناً متخف في هيئة ديك ، ولذلك تم احراقه وإحراق البيضة في احتفال مهيب وفقاً للمراسم المتبعة .
غرائب محاكمات الحيوانات :
هذا ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد فيما يتعلق بجرائم الحيوانات ومحاكمتها ، بل تعداه إلى الأخذ بشهادة الحيوانات ! ، ففي سافوي ، قبل اتحادها مع فرنسا ، كان قانون الجزاء يبرئ من يقتل داخل منزله لصاً أو معتدٍ جاء ليعتدي على صاحب البيت وأملاكه ، وخوفاً من استدراج أحد الأشخاص أو الأعداء إلى المنزل وقتله بحجة أنه دخيل معتد ، وكان القانون يشترط وجود شهود ولو من الحيوانات !
إذا كان على صاحب البيت أن يحلف أما كلبه أو قطته أنه بريء فيكون من الصادقين ، ذلك لأن عدالة الله لا تقبل بإفلات القاتل الكاذب ونجاته ، فتجعل الحيوان الأعجم ينطق إن كان من يحلف أمامه كاذباً !