في ابريل عام 1854م ، غادر السير روجرتشارلز داوتي تيكبورن ريودي جايرو ، على متن سفينة فقدت فيما بعد ولم يعرف مصيرها ، غير أن والدة السير روجر ، الليدي تيكبورن رفضت أن تصدق موت ابنها ، وبعد انتظار 9 سنوات ، بدأت في عام 1863م ، تعلن عن اختفاء ابنها في جميع أنحاء العالم .
وقد قرأ المهاجر المفلس السيد آرثر أوتورن الإعلان ، في الصحف الاسترالية ، فاتصل بالليدي تيكبورن يخبرها أنه هو ابنها المفقود ، ويطلب منها بعض المال ليوافيها في باريس حيث يعيش .
اختلاف المواصفات والطباع :
وكان السير روجر وريث إقطاعية تدر24 ألف جنيه في السنة ، وكان عندما فقد نحيل العود يزن أقل من 126 رطلًا ، أما أوتورن فكان عدما ظهر على مسرح الأحداث سمينا يزن 378 رطلًا ، وبرغم الفروقات الأخرى في الشكل والطباع بين الاثنين ، فقد صمم أورتورن على ركوب المغامرة ، وطار إلى أوروبا بعد استلامه المبلغ ، الذي بعث يطلبه من الليدي تيكبورن.
عودة الابن المفقود :
أبحر أوتورن عام 1866م إلى انجلترا ، حيث وصل يوم عيد الميلاد ، وفي 10 يناير وصل إلى باريس التي شهدت اللقاء التاريخي بين الأم المفجوعة بفقد ابنها وبين الابن العائد إلى أحضانها بعد طول غياب .
اللقاء الأول بعد غياب :
ذهبت الليدي تيكبورن مع محاميها إلى الفندق الذي ينزل فيه أورتون في باريس ، فوجدته متوعك الجسم مستلقياً على السرير ووجهه للحائط ، وبالرغم من أنه لم ينطق كلمة واحدة ، تقدمت الليدي تيكبورن منه وقبلته قائلة : أنه يشبه والده ، وأذناه مثل أذني خاله .
كان الأمل الكاذب هو دافع المرأة ، لتصديق ذلك المحتال والوقوف الى جانبه ، أما جميع الأقارب فقد أنكروه ، غير أن أورتون وجد بعض المرتزقة يقفون بجانبه أيضاً ، كما أن غياب 12 سنة ليس فترة قصيرة ، ومن المحتمل أن تتغير خلالها أشياء كثيرة ، ثم من يعرف الابن أكثر من أمه ؟!
الأموال والأملاك :
كانت أملاك آل تيكبورن قد آلت إلى الصبي هنري تيكبورن ، فجاء أورتون يقاسمه تلك الأملاك بكل جرأة ووقاحة ، غير أن أقارب هنري قاوموا ادعاء أورتورن ، ورفعت المسألة إلى القضاء في مارس 1867م ، لكن المحاكمة لم تبدأ الا بعد أربع سنوات .
المحتال والقضاء :
استطاع أورتون خلالها جمع معلومات عن الابن المفقود ، ورشا خادمين ممن كانوا يعملون في خدمة السير روجر ، وقد زوده الرجلان بمعلومات لا تقدر بثمن ، جعلت 30 ضابطًا من رفاق السير روجر في الجيش ، يشهدون أن أورتون هو حقًا السير روجر ، ومن سوء حظ أورتون أن الليدي تيكبورن توفيت قبل بدء المحاكمة ، في 11 مايو 1871م ، بيد أن أورتون عوض عن ذلك بحشد يتكون من 100 شاهد على استعداد للشهادة إلى جانبه .
حفظ أورتون دوره جيداً ، وكدس الأدلة لصالحه ، ومثله فعل خصومه ، وخلال استجواب أورتون الذي استمر 22 يوماً لم يكن المدعى العام يعرف من أين يبدأ ، وشهدت المحاكمة كثيراً من الاستطراد والتشتت والغموض ، ومع ذلك تلقي أورتون كثيراً من الضربات والصفعات .
حجج المعارضين :
فمثلا كان السير روجر يتكلم الفرنسية بطلاقة ، ولم يكن المدعي يعرف كلمة فرنسية واحدة ، وكان السير روجر مثقفاً تلقي تربية كلاسيكية في ستونيهيرست ، أما أورتون فكان لا يكاد يعرف شيئاً عن الآداب الكلاسيكية ، وقد آثار ضحك الجمهور أكثر من مرة عندما كان يرد على أسئلة حول فرجيل وبعض الكتاب الآخرين .
كما أنه تلقى صفعة مدمرة ، عد سؤاله عن اسم والدته : كانت الليدي تيكبورن قد وقّعت أول رسالة بعثت بها لأورتون في استراليا بالأحرف الأولى من اسمها :هـ .ف .تيكبورن ، وعندما سؤل أثناء المحاكمة ماذا يعنى الحرفان هـ.ف ؟ ، أجاب : حنة فرانسيس ، وقد كان الجواب الحقيقي الذي لم يتحرى عنه المغفل أورتون هو : هنرييت فيلسته.
وأخيرًا جاءت الضربة القاضية ، عندما شهد أحد أصدقاء المفقود منذ أيام الدراسة ، أن السير روجر كان له وشم على ذراعه اليسرى ، وبالطبع كان أورتون يفتقد هذا الدليل ، ولذلك انهارت قضية أورتون كلية ، بعد 103 أيام من بدء المحاكمة .
الحكم وما تبعه:
غير أن القضية لم تقف عند هذا الحد ، فقد تم القاء القبض على آرثر أورتون بتهمتي حلف يمين كاذب ، والتزوير ، واستمرت المحاكمة هذه المرة 188 يوماً ، وأثارت ضجة أكثر من الأولى ، وفي هذه المرة قدم أورتون شاهد زور جديد يدعى لوى ، شهد بأنه كان على السفينة المفقودة وأنقذ أكثر من 6 أشخاص ، كان السير روجر أحدهم ، ولكن سرعان ما تبين أن لوى ، كان محتالاً محترفاً وله سجل طويل لدى دائرة الشرطة.
السجن للمحتال :
وبالنتيجة فان القضية التي استغرقت في بحثها 1025 يوماً ، لم تأخذ من المحلفين سوى 30 دقيقة ليحكموا فيها بإدانة آرثر أورتون بتهمة الحلف الكاذب ، مما دعا القاضي للحكم عليه بالسجن 14 عاماً مع الأشغال الشاقة ، ومن حسن حظ الجميع أنه تم اسقاط تهمة التزوير ، وإلا لاستمرت المحاكمة زمناً أطول بكثير .