نمر جميعًا بفترات نتعرض خلالها إلى بعض الأمراض النفسية الطفيفة ، جراء حدوث عقبات أو مشكلات أو أزمات طارئة ، وتترك جميعها أثرًا واضحًا في أنفسنا ، ومنا من يتخطاها بعد صبر ، ومنا أرواح هشة قد لا تتحمل تلك الندوب البسيطة ، وتحولها إلى جروح غائرة وأمراض نفسية قاسية قد تتسبب للشخص في تآكل روحه ، حتى تنتهي تمامًا .
متلازمة الموتى الأحياء هي حالة مرضية شهيرة في الطب النفسي ، ويرجع اكتشاف هذا المرض النفسي إلى عام 1880م ، عندما ذهبت إحدى السيدات في فرنسا إلى عيادة الطبيب النفسي جولز كوتار ، وكانت تشكو من مرض نفسي وبسؤالها مم تشكو تحديدًا قالت للطبيب أنها لا تمتلك مخًا ، أو أعصاب أو معدة أو أمعاء ، وليس لديها أية أعضاء ، وأنها تتعفن !
بالطبع هذا الحديث لم يكن حقيقيًا فالسيدة بصحة تامة ، وأعضاؤها سليمة ولا تشكو مرضًا عضويًا ، ولكن لسبب غير مفهوم كانت تعتقد بأنها ميتة ومجرد جثة متحركة على الأرض ، حاول الطبيب كوتار أن يتفاهم مع السيدة ويعرف تفاصيل مشكلتها من الأساس ، حتى يتسنى له أن يبحث عن حلول معها فيزيح هذا الثقل الجاثم على قلبها ، ولكنها اعتذرت وانصرفت دون أن تبوح بكلمة .
وكانت مقتنعة تمامًا بأنها جثة هامدة ، علم بعد ذلك الطبيب كوتار بأن السيدة امتنعت عن الحديث مع من حولها ، وتوقفت عن تناول الطعام والشراب ، حتى توفت فعليًا عقب وقت قصير بسبب الجوع الشديد .
أجرى الطبيب كوتار دراسات وبحوث عدة بشأن هذه الحالة ، حتى توصّل إلى ما يُعرف حاليًا بمتلازمة كوتار أو متلازمة الموتى الأحياء ، وهي باختصار حالة عقلية متقدمة جدًا من مرض الاكتئاب ، وتتسبب في اقتناع الشخص المصاب بأنه شخصُ ميت ، لا روح له أو جسد على قيد الحياة من الأساس .
وفي عام 1995م ، تم إجراء دراسة موسعة على مجموعة من المتطوعين المصابين بالاكتئاب ، حتى أصيبوا بمتلازمة كوتار ، وبلغ عددهم 60 مريض وتمثلت إصابتهم بالمرض في اقتناعهم التام بأنهم موتى ، وغير موجودين على قيد الحياة ، مجرد جثث متحركة بلا هدف أو روح ، أو أنهم خالدين لا يمكن أن يموتوا ، أو أنهم قد قدموا من عالم آخر .
وفي عام 2001م ، حاول أحد الأشخاص أن يثبت لعائلته أنه متوفى بالفعل ، فدخل في نوبات هستيرية وطلب منهم أن ينادوه باسمه ، ويتحدثوا عنه وكأنه ميت ، حتى وصل به الأمر إلى أن شق بطنه دون تخدير أو شيء ليثبت لهم فقط أنه بلا أحشاء !
جدير بالذكر ، أن متلازمة الموتى الأحياء غير منتشرة ، ونادرًا ما يصاب بها الشخص ، حيث تبدأ بحالة مريضة نفسية تحدث مع أغلبنا وهي الإصابة بالاكتئاب ، وتتطور تلك الحالة من مجرد اكتئاب عادي ، إلى فقدان الرغبة في التواصل مع الآخرين ، وتتطور إلى اكتئاب حاد حيث يقتنع الشخص أنه بلا فائدة أو وجوده بلا جدوى ، ويصل المريض بعد ذلك إلى اقتناع بأن العالم من حوله غير موجود .
وهو شخصيًا غير موجود وأن حياته كاملة مجرد سيناريو وهمي ، ثم يفقد الشخص الاهتمام بكل شيء يخصه من نظافة وطعام وشرب وكل شيء ، ثم اختفاء القدرة على تمييز الأشخاص والأشياء تدريجيًا ؛ نظرًا لأن الجزء الموجود بالمخ والمتعلق بالتعرف على الوجوه وترتيب الأحاسيس يحدث به خلل ، ثم يصل المرء للمرحلة الأخيرة ، وهي عدم القدرة على التعرف على نفسه تحديدًا فيصاب بعد ذلك لحالة من الهلوسة ويقتنع تمامًا بأنه قد مات ، أو في حالة تعفن .
وجدير بالذكر أيضًا ، أن المخ يستجيب لأوامر الشخص أو قناعاته الشخصية ، وبالتالي المريض بهذا المرض قد يموت فعليًا بالنهاية ، أو يتشوه جسده ، وقد يبدأ جلده بالجفاف وتتحول ملامحه إلى شكل أقرب إلى الزومبي بالفعل ، حيث يظل على قيد الحياة ولكن جسمه يعيش حالة من التحلل .