كان جون روبرتسون رجل فقيراً ، ولكن كان يتمتع بموهبة فريدة ، فلم يكن في مظهره ما يلفت النظر ، لكن الطاقة الخاصة التي تمركزت في مخه ، يتمنى أصحاب الملايين أن يدفعوا في سبيل الحصول عليها الثروات الكبيرة ، ومرت سنوات طويلة قبل أن يكتشف  جون روبرتسون تلك الموهبة ، وعندما اكتشف امتلاكه لها ، استطاع أن يستغلها إلى أبعد حد .

الموهبة :
كان لعقل روبرتسون القدرة على التحكم في المادة ، فقد كان بإمكانه أن يقذف قطعة عمله معدنية في الهواء ، ثم يحدد لها على أي الوجهين ستهبط على الأرض ، وكان يستطيع أن يتحكم في زهر الطاولة ، أو ما يسمي النرد ، بحيث يحصل على الرقم الذي يريده ، وقد اكتشف تلك الموهبة وتمكنه منها عام 1925م ، وعندها قرر أن يمضي ليهزم عالم القمار في عقر داره ، في لعبة الروليت .

ظاهرة خارقة للطبيعة:
لقد كانت انجازاته على موائد القمار ، في دوفيل وكان ونيس وأخيراً في مونت كارلو ، موضع حديث لا ينقطع ، وبقيت بارزة في تاريخ القمار كظاهرة لا تفسير لها .

حياته من قبل دخول عالم القمار :
قبل ذلك التاريخ بخمس أعوام ، كان في الثالثة والأربعين من عمره ، وصل من انجلترا إلى استراليا ، ليواصل تنقله بين عدد من الأعمال والوظائف غير المستقرة ، عاش في انجلترا حياة ضائعة ، بلا هدف وبلا مال وبلا أصدقاء ، يقضي أمسياته وحيدًا في تلك الغرفة المفروشة الفقيرة التي كان يسكنها .

اكتشاف الموهبة :
وفي إحدى أمسيات عام 1922م ، اكتشف قدرته على التحكم في زهر الطاولة ، وعندما كان يعبث بزهر الطاولة في كسل ، وهو يفكر بغموض في بعض الأرقام ، وفجأة اهتز من فرط الانفعال عندما وجد أن الأرقام التي يفكر بها هي ما يستقر عليها الزهر بعد تدحرجه ، ثم أخذ يجرب بعد ذلك أشياء أخرى ، مثل العملات المعدنية التي تستقر على الوجه الذي يحدده ، وفيشات القمار الملونه التي كانت تتابع ألوانها ، بنفس التتابع الذي فكر فيه ، وأخيرًا أجرى تجاربه على عجلة روليت ، تباع في محل لعب الأطفال التي يملكها جاره .

استغلال الموهبة :
وفي عام 1925م ، باع جون روبرتسون كل ما يملك وله قيمة ، واشترى حلتين وبعض الحقائب التي توحي بالاحترام ، وقطع تذكرة ذهاب عبر القنال الى فرنسا ، وفي الشهور الأولى ، من اقامته في فرنسا ، زار كازينوهات القمار في باريس ونيس ودوفيل ، وأخيرًا قصر القمار الأبيض الفخم في مونت كارلو ، ولم يكن يشارك في ألعاب القمار بل كان يراقب فقط.

باحثًا عن الألعاب التي يستطيع فيها استغلال موهبته على أحسن وجه ، فاستبعد ألعاب مثل الباكراه والشيمان دي فير، عندما تأكد أنه لا يستطيع التحكم في تتابع ورق اللعب ، فقد كان عقله يستطيع التحكم في الأجسام المتحركة فقط ، بالضبط كما في حالة الكرة الصغيرة ، التي تتدحرج حول عجلة الروليت الدائرة ، وهكذا وقع اختياره ، على لعبة الروليت .

بداية التغيير :
وفي الرابع من أغسطس عام 1925م ، أخذ مكانه لأول مرة أمام عجلة الروليت ، في أفخم الكازينوهات وأكثرها تميزاً في دوفيل ، وقد وضع أمامه فيشات اللعب بما يساوى مئة جنيهاً ، كانت الأمسية في بدايتها ، وقد اكتفى أغلب الزبائن بالاستناد إلى الحاجز النحاسي المحيط بمائدة الروليت مكتفون بالفرجة فقط .

أخذ يبحلق في تركيز ، محاولًا نسيان فخامة الكازينو من حوله ، واستند بكوعه على الجوخ الأخضر لمائدة الروليت ، مركز كل قواه العقلية على الكرة العاجية الدقيقة التي تتراقص فوق الأرقام الدائرة ، راغباً أن تستقر على الرقم الذي اختاره ، في المرة الأولى فشل ، وفي المرة الثانية حامت الكرة حول الرقم الذي اختاره ، لكنها استقرت في خانة مجاورة ، وفي المرة الثالثة ضاعف تركيزه بإصرار وحشي ، فوقفت الكرة على الرقم الذي اختاره.

وعند نهاية تلك الأمسية ، حمل روبرتسون كومة الفيشات الضخمة التي تجمعت أمامه ، ومضى إلى خزينة الكازينو ، فاستبدل منها مبلغاً من الفرنكات يساوي خمسمائة ريال ، وقد بدأ المغامر نشاطه !

تتابع الثراء:
كانت الأشهر الخمسة التالية أشبه بالأساطير ، فقد وصل رصيده إلى 40 ألف دولار وأصبح يتنقل بسيارته اللموزين الفضية الضخمة ، تحف به حاشية كبيرة ، ومع طول طوافه بالكازينوهات ، كان من الواضح أنه لا يخسر أبداً.

وفي قرب نهاية الخريف من ذلك العام ، كان روبرتسون يحتل مكانه أمام مائدة الروليت في كازينو متروبوليتان بمونت كارلو ، وقد تحولت قدرته هذه إلى أسطورة ، كان اللاعبون يتركون موائد لعبهم ، ليشاهدوا طريقة روبرتسون في اختيار أرقامه ، والمقامرة عليها ، علهم يستفيدون بشيء من حظه ، وقد كان رصيده بلغ أكثر من 100 ألف دولار.

هزم الموهبة:
تقدم رجل من مدير الكازينو ، وعرض عليه أن يضع حداً لذلك الحظ الغريب الذي يتمتع به روبرتسون ، قال ان اسمه جان ليون وأنه يملك القدرة التي يعتمد عليها روبرتسون ويستغلها في اللعب ، وهي قدرة التحكم في الأجسام وحركتها بإرادة العقل البحتة ، والتي يطلق عليها العلماء سيكوكنسيس ، قال ليون : ليست لي نفس قدرته المفرطة ، ولكن على الأقل أستطيع الغاء أثر موجاته العقلية . فوافق المدير على الفور .

القوى المضادة:
وفي مساء 30 سبتمبر من نفس العام ، وقف ليون مستنداً الى الحاجز النحاسي خلف روبرتسون ،حيث كان روبرتسون يتخذ نفس وضعه التقليدي ، يستند بكوعه على الجوخ الأخضر للمائدة ، وقد أغمض عينيه نصف اغماضة ، واضعا كل تركيزه على الكرة المتراقصة ، دفع للرقم الذي اختاره مجموعة من الفيشات تعادل قيمتها مائة جنيه ، وكان الرقم 14 هو الرقم الذي اختاره ، وقد استقرت الكرة على الرقم 3 وسط ذهول ودهشة الجميع .

ساد المكان الصمت العميق ، فأشعل روبرتسون سيجارة ، ثم دفع بمزيد من الفيشات إلى الرقم الجديد الذي اختاره ، ومرة ثانية تراقصت الكرة وخسر روبربتسون ، تضاعف الحشد حول المائدة ، بعد أن ترك اللاعبون باقي الموائد ، لقد حدث المستحيل ، فروبرتسون يخسر !!

نهاية المغامر :
كل هذا وليون في مكانه لا يتحرك ، وفي الثانية بعد منتصف الليل ، فقام روبرتسون بمحاولة أخيرة وضع فيها كل ما يملك ، من ماله على رقم 7 ، ودارت العجلة وانحبست الأنفاس ، وشهق المتفرجون .. وهم يرون جاروف المشرف على اللعبة ، يمتد ليسحب الفيشات ، التي وضعها روبرتسون ، لقد خسر!!

دفع روبرتسون مقعده إلى الخلف ، وغادر المائدة مفلساً ، كما كان عندما دخل كازينو القمار لأول مرة ، لم يلعب جون روبرتسون من ذلك اليوم ، وقد مات في عام 1944م ، في أحد المستشفيات الخيرية في بلجيكا .

By Lars