قد يُجن الشخص إثر تعرضه لحدث ما ، فلا يعود كما كان سابقًا ويتبدل حاله ، مع ما ألمّ به من وقائع ، ولعل كاليجولا أحد أشهر أباطرة روما ، الذين خلد التاريخ اسمهم حتى يومنا هذا ، نظرًا لما عاناه شعبه على يديه ، إبان فترة حكمه ، ولكن ماذا حدث ؟
البداية ..
يُدعى جيوس ، ولد في العام الثاني عشر للميلاد ، ولديه ستة إخوة من أبويه ، وكان والديه من سلالة الامبراطور أوكتافيوس المقلب بأغسطس ، أعظم أباطرة روما ، هذا النسل النبيل الذي كان وبالاً على رأس جيوس ، فقد أكسبه شعبية جارفة ، حملته إلى العرش مباشرة فيما بعد ، وبعد ذلك كان نسبه سببًا فيما وصل إليه من السجن ، وفقده لعائلته.
عندما كان جيوس في عمر الثلاث سنوات ، أخذه والده معه إلى أحد الحروب بألمانيا ، وكان الصغير يرتدي زيًا عسكريًا كاملاً ، مما دفع الجنود للسخرية منه وإطلاق اسم كاليجولا عليه ، والذي يعني حذاء الجندي الصغير.
وعندما بلغ كاليجولا السابعة عشر عامًا ، توفى والده أثناء عودته من إحدى المعارك ، فانتقل للعيش مع والدته وإخوته ، ولكن الأمر لم يدم طويلاً ، فقد ساءت العلاقة بين والدته والإمبراطور ، فقام الأخير بقتلها ، ونفى إخوة كاليجولا وقام بتجويع الآخرين حتى الموت ، ولم يكن هذا المصير من نصيب عائلته كاليجولا النبيلة فقط ، وإنما كان مصير كافة النبلاء في ذلك الوقت ، حيث أعدم الامبراطور الجميع ، ونهب ثرواتهم ، مدعيًا خيانتهم وتآمرهم عليه .
عاش كاليجولا ، بالفعل عاش بعد تشريد عائلته النبيلة ، وانتقل مع من تبقى من إخوته ، إلى منطقة أخرى بعيدة عن دسائس الإمبراطور ومؤامرات روما ، وقد رجح المؤرخون بأن كاليجولا قد بقى على قيد الحياىة ، نظرًا لما قام به من تملق وتذلل للإمبراطور ، فقد كان عذب اللسان ويستطيع إخفاء مشاعر الكراهية كثيرًا ، حتى أن الامبراطور كان يخشاه ! وكان يرى فيه خادمًا مطيعًا ، وسيدًا سيئًا.
أحلام كاليجولا ..
قام كاليجولا بتوطيد علاقته مع رئيس حرس الإمبراطور ، هذا الرجل الذي ظل يمدح كاليجولا أمام الامبراطور لفترات طويلة ، فقد كان الأخير يشك كثيرًا في من حوله ، ولكن مدح رئيس الحرس لكاليجولا كان يجعل الامبراطور يثق به ، وشاء القدر أن يحقق كاليجولا ما كان يصبُ إليه ، فقد مرض الامبراطور بشدة ، ولم يكن له أبناء سوى ابن صغير يبلغ من العمر إثني عشر عامًا .
أي لم يكن له وريث للعرش ، ونظرًا لنسب عائلة كاليجولا فقد تم طرح اسمه لتولي الحكم ، وبالاتفاق مع رئيس الحرس الامبراطوري ، تم التخلص من الامبراطور في هدوء تام ، ونظرًا لصغر سن الأمير فقد تم الزج باسم كاليجولا ليرث العرش ، واستقبل الشعب هذا الأمر بترحاب شديد بكاليجولا ، الذي ظنوه منقذًا لهم بعد ما ذاقوه على يد الامبراطور الراحل .
عهد كاليجولا ..
استمرت احتفالات تنصيب كاليجولا لثلاثة أشهر متتالية ، تم خلالها تقديم التضحية للآلهة ، وإقامة المصارعات الرومانية ، وشهد كافة المؤرخون بأن الأشهر الأولى من حكم كاليجولا ، كانت من أزهى الفترات ، حيث ألغى المحاكم التي تم إعدام النبلاء من قبل بناء عليها ، ووزع الأموال على الفقراء ، ولكن القدر كان يأبى إلا أن يسجل التاريخ ، الوجه الآخر لكاليجولا .
فقد مرض بشدة عقب توليه الحكم بفترة قصيرة ، مما أحزن شعبه حتى أنهم قد ظنوه ميتًا لا محالة ، وجدير بالذكر ، أن أحد من عاصروا كاليجولا شهد بأن مرضه ، كان سببه صرعًا يعاني منه كاليجولا منذ صغره ، كما أنه أفرط في تناول الخمر ، وممارسة الجنس ، والعلاقات الآثمة ، وكلها عوامل اجتمعت مرة واحدة لتقضي عليه. وحدثت المعجزة ، وأفاق كاليجولا ، ونهض من كبوته ، ولكن نهض كشخص آخر.
فقد صار قليل النوم ، وتراوده الكوابيس أينما ذهب ، وبات كاليجولا أكثر قسوة وشراسة ، فقد قتل عددًا من النبلاء داخل البلاط ، وقتل ابن الامبراطور السابق ، واعتدى على زوجة صديقه حارس الامبراطور السابق ، أمام عينيه ، وأنشأ جزءً في البلاط ، وضع به زوجة صديقه ، وجعله قوادًا على هذا الجزء ، وأجبر النبلاء على إرسال بناتهم ونسائهم إليه ، وقتل صديقه شر قتل .
وأمر كافة النبلاء بكتابة وصايا على ثرواتهم ، بأن تذهب جميعها للبلاط الامبراطوري ، وذهب بالجيش إلى الخط الفاصل بين أوروبا وانجلترا ، ثم أمر الجنود بجمع الأصداف والعودة إلى روما مرة أخرى ، كمان أنشأ بيوتًا لممارسة البغاء ، وكانت تذهب أموالها جميعًا إلى خزينة القصر الامبراطوري ، ثم ادعى لربوبية وأقام لنفسه معبدًا وأمر الشعب بأنه يعبدونه!
واستمرت تلك المهازل التي لم يسبقه إليها أحد قط ، حتى قام الجنود بقتله بثلاثون طعنة نافذة ، وقتلوا زوجته وابنته ، وهكذا انتهى هذا الامبراطور المجنون ، وقُتل شر قتلة ، عقب أربعة سنوات من الجنون المطبق ، والأوامر غير المدروسة ، وانتهت حياة الامبراطور الأكثر جنونًا في تاريخ روما.