من منا لم يسمع عن هذه اللوحة الغامضة التي بهرت العالم بجمالها ، وغموضها الساحر ؛ فهي لوحة المبدع ليوناردو دافنشي ، الذي رسم كل تفصيلة فيها بدقة متناهية ، فيقال أنه بدأ في رسمها عام 1503م وانتهى منها في العام 1510م ، ليخرج لنا أروع أعماله الفنية في صورة امرأة راقدة على الورق تنظر إليك من كل مكان ، وتتعقبك أينما ذهبت .
فقد صنعت بحرفية شديدة تجعل الناظر إليها يشعر أنها تنظر إليه هي الأخرى ، كما أن لابتسامتها سحر أخر ، فهي تعكس الحالة النفسية للناظر ، فالإنسان السعيد يراها مبتسمة ، والحزين يرى ابتسامتها باهته ، حزينة ، تشاركه ما يشعر به من أسى وضيق . إنها التحفة الفنية المجسمة موناليزا.
من هو ليوناردو دافنشي :
هو الفنان العبقري متعدد المواهب ليوناردو دي سير بيرو دا فينشي ، وقد كان رسامًا ، ونحاتًا ، ومهندسًا ، وموسيقيًا ، وجيولوجيًا ، وعالما كبيرًا ، وهو من أهم رموز عصر النهضة ، وأعظم عباقرة البشرية .
ولد في 15 نيسان 1452م لعائلة ثرية فقد كان أبوه كاتبا للعدل ، وأمه من الطبقة الدنيا ، وقد جاء نتاجًا لعلاقة غير شرعية جمعت بينهما ؛ إلا أن جده انطونيو قبله وقام بتعميده في الكنيسة لأنه أول حفيد للعائلة .
تلقى العلم بمدارس فلورنسا الراقية ، وجمع من العلوم أفضلها ؛ فكان ضليعا في الرياضيات ، والعلوم ، والتحق بعدها بمشغل الفنان اندريا دل فروكيو صديق والده والذي كان من أشهر فنانين عصره حينها ، وهناك أبدع دافنشي وتبلورت مواهبه من أعمال النحت والرسم حتى استقل بنفسه وبأعماله ، ليصبح من عمالقة الفن في العالم أجمع .
من هي الموناليزا :
سؤال فكر فيه كل من نظر إلى صورة المرأة التي رسمها المبدع ليوناردو دافنشي ، وأخذت منه طيلة سبع سنوات من الجهد والعمل المتواصل ، ترى من تلك المرأة ؟ أهي حبيبته ؟ أمه ؟ أم أنها إحدى معارفه ؟
لا يستطيع أحد الجزم بماهية تلك المرأة حتى الآن إلا أن هناك بعض الأقاويل التي شاعت عن أنها السيدة مادونا ليزا دي أنتينو ، والشهيرة بموناليزا زوجة أحد أصدقائه ، والذي طلب منه رسمها تعبيرًا عن حبه لها ، وهو يدعى فرانسيسكو ديل جيوكوندا وكان تاجرا للحرير ، ويقال أن دافنشي أحضر لها مهرجًا ؛ لكي يقوم بإضحاكها طوال فترة رسم اللوحة ، ولكن شفاها لم تتحرك سوى بهذه الابتسامة الباهتة.
وهناك من قال أن الموناليزا هي صورة لأمه رسمها في صباها ، أو أنها امرأة عابرة مرت بخياله ، بل وصل الأمر أن شاع بعضهم أنها صورة ليوناردو نفسه ولكن في جسد امرأة ، رسمها كي يتحدى نفسه ويثبت أنه الفنان الأجدر .
شهرة الموناليزا :
في العام 1516م سافر ليوناردو إلى فرنسا حاملًا معه تحفته الفنية وعرضها للبيع في أحد المزادات ، فاشتراها منه الملك فرانسيس الأول ووضعها في قصر شاتوفو ، ونقلت بعد وفاته إلى قصر فرساي إلى أن قامت الثورة الفرنسية ، وأخذها نابليون الأول وعلقها في غرفة نومه ، فأصبحت في بلاد الحاكم بعد أن كانت بين عشرات اللوح الأخرى المغمورة .
سرقة الموناليزا :
تمكن شاب فرنسي عام 1911م من سرقة اللوحة ؛ حينما كان يقوم بترميمها ، ويدعى بيروجي ، وقد اختفت اللوحة لمدة عامين ، وبعدها ظهرت بصحبة الفنان الإيطالي ألفريدو جيري الذي أبلغ السلطات الإيطالية حينما علم أنها لوحة أصلية ، فقبضوا على السارق ، وعرضوها بمتحف بوفير جاليري .
ولما علمت السلطات الفرنسية بالأمر طالبت باسترجاع اللوحة والسارق ، ولكن إيطاليا لم تتنازل عنها إلا بعد الكثير من المفاوضات بين البلدين ، وأثناء محاكمة بيروجي قال أنه سرق اللوحة لأنها تشبه حبيبته التي توفيت من فترة ؛ فحكم عليه بالسجن عام واحد فقط .
ومازالت الموناليزا حتى الآن قابعة بمتحف اللوفر بباريس ، يتوافد عليها الرواد من كل أنحاء العالم ، ليتعرفوا على عظمة الفن الفرنسي ، ويشهدوا جمال الموناليزا ، ويحاولوا كشف هالة الغموض المحيطة بتلك السيدة التي تدعى موناليزا.